اكتشافات أثرية في المغرب تعيد كتابة تاريخ الحياة وترسم خارطة جديدة لتطور البشر 03- أقدم إنسان عاقل في المغرب.. اكتشاف يعيد رسم أصول الإنسان

يعد المغرب واحدا من أغنى دول العالم بالمستحاثات، حيث تُخزّن أرضه تاريخا جيولوجيا يمتد لمئات الملايين من السنين، توثق تطور الحياة على كوكب الأرض.
فمن أعماق بحار العصر القديم إلى سهول العصر الطباشيري، ومن آثار الكائنات الدقيقة إلى حفريات الديناصورات، يقدم المغرب نافذة فريدة لاستكشاف العصور السحيقة.
تتميز التكوينات الجيولوجية المغربية بثرائها في أنواع مختلفة من الأحافير، بدءا من التريلوبيتات والأسماك المتحجرة التي تعود إلى العصر الأردوفيشي، وصولا إلى الزواحف البحرية والديناصورات الضخمة من العصر الطباشيري.
وقد كشف العلماء في مواقع مثل طاطا وأرفود وسفوح الأطلس عن حفريات لديناصورات نادرة، مثل “سبينوصور المغرب”، وهو أحد أكبر الديناصورات المفترسة المعروفة.
لكن الاكتشاف الأكثر إثارة كان في جبل إيغود، حيث تم العثور على أقدم بقايا للإنسان العاقل، مما أعاد رسم خارطة تطور البشر.
وتعد الصحراء المغربية مصدرا رئيسيا لمستحاثات بحرية فريدة، مثل الأمونيتات والأسماك المتحجرة، التي تحكي قصة المحيطات القديمة التي غمرت المنطقة.
وبينما يسهم المغرب بشكل بارز في الأبحاث الحفرية العالمية، تواجه هذه الثروة الطبيعية تحديات كبرى، مثل تهريب المستحاثات وغياب قوانين صارمة لحمايتها. ورغم ذلك، فإن استمرار الاكتشافات العلمية في البلاد يجعل من المغرب مختبرا طبيعيًا مفتوحا، يروي فصولا جديدة من قصة الحياة على الأرض.

 

 

في عام 2017، هز اكتشاف أثري في جبل إيغود بالمغرب المجتمع العلمي العالمي، حيث تم العثور على حفريات تعود إلى 300 ألف سنة، ما يجعلها أقدم بقايا معروفة للإنسان العاقل حتى الآن. لم يكن هذا الاكتشاف مجرد إضافة إلى السجل الأحفوري، بل أعاد كتابة تاريخ تطور الإنسان، وأثار تساؤلات جوهرية حول أصوله وانتشاره.
جبل إيغود، الواقع في منطقة آسفي، كان معروفا منذ الستينيات كموقع أثري، لكن أهميته تضاعفت بعد العثور على هذه الحفريات التي تضمنت جماجم وعظاما تعود إلى 300 ألف سنة، إضافة إلى أدوات حجرية متطورة تشير إلى أن سكان المنطقة كانوا يستخدمون تقنيات متقدمة للصيد والتكيف مع البيئة، كما عُثر على آثار لنيران قديمة، مما يدل على أن هؤلاء البشر كانوا يعتمدون على النار في حياتهم اليومية.
قبل هذا الاكتشاف، كان يعتقد أن الإنسان العاقل ظهر قبل حوالي 200 ألف سنة في شرق إفريقيا، وتحديدا في إثيوبيا. لكن حفريات جبل إيغود غيرت هذه الفرضية، إذ أثبتت أن أصول الإنسان العاقل أقدم مما كان يعتقد سابقا بمئة ألف سنة، كما أنها تدعم فرضية أن التطور البشري لم يكن محصورا في منطقة واحدة بل كان عملية متعددة المناطق. الاكتشاف يثير أيضا تساؤلات حول العلاقة بين الإنسان العاقل والأنواع البشرية الأخرى، مثل النياندرتال، حيث إن الجمجمة المكتشفة تحمل ملامح قريبة من الإنسان الحديث ولكن مع اختلافات تشير إلى مرحلة انتقالية. الأدوات المكتشفة في الموقع تدل على أن هؤلاء البشر كانوا يستخدمون تقنيات متطورة للصيد، كما يشير تحليل الموقع إلى أنهم عاشوا في بيئات متنوعة، مما يساعد في فهم كيفية انتشار البشر عبر القارات.
نُشرت نتائج البحث في مجلة «Nature»، ما جعل الاكتشاف محور نقاش عالمي بين العلماء وساهم في إعادة تقييم النظريات المتعلقة بتطور الإنسان العاقل. كما عزز الاهتمام بعلم الحفريات في المغرب، وجعل المنطقة مركزا عالميا للأبحاث حول أصل الإنسان، وشجع على مزيد من الاكتشافات الأثرية في شمال إفريقيا.
هذا الاكتشاف يفتح آفاقا جديدة للمغرب، حيث يمكن استثماره عبر إنشاء متحف أو مركز أبحاث متخصص لدراسة أصول الإنسان، بالإضافة إلى تعزيز السياحة الأثرية من خلال تنظيم زيارات علمية لموقع جبل إيغود، كما يمكن إدراجه في المناهج الدراسية لرفع الوعي بأهمية التراث الأثري المغربي.
اكتشاف جبل إيغود ليس مجرد حدث أثري، بل هو تغيير جذري في فهمنا لأصل الإنسان العاقل.
المغرب لم يعد مجرد موقع جغرافي، بل أصبح نقطة ارتكاز رئيسية في دراسة تطور البشرية. ومع استمرار الأبحاث، قد تكشف هذه المنطقة المزيد من الأسرار التي توضح رحلتنا الطويلة عبر الزمن.

 

 


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 04/03/2025