بنسليمان: المدينة المحظوظة بموقعها ومؤهلاتها… والمنكوبة بتسييرها

 

بنسليمان، المدينة التي حباها الله بطبيعة خلابة وموقع استراتيجي فريد، تمتلك كل المقومات الطبيعية والبشرية لتكون نموذجًا للتنمية، ومع ذلك، تجد نفسها عالقة في دوامة من الإهمال وسوء التدبير، مما جعلها تتراجع بشكل ملحوظ على جميع المستويات. فرغم مرور سنوات من الوعود والمخططات، لم يتحقق أي شيء يذكر، وبقيت المدينة تعاني من مشاكل متراكمة في البنية التحتية، والخدمات العمومية، والتنظيم الحضري، وحتى في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
خلال العقد الأخير، عاشت بنسليمان على وقع انتظارات كبرى، لكن الواقع كان صادمًا، إذ ظلت المدينة على حالها، بل إن أوضاعها ازدادت سوءًا بفعل غياب رؤية واضحة للنهوض بها، في الوقت الذي ظلت فيه الساكنة تعلق آمالًا كبيرة على المجالس المحلية المتعاقبة، لكن سرعان ما تحولت تلك الآمال إلى إحباط بسبب غياب التنفيذ الفعلي للمشاريع الموعودة، أو إجهاضها قبل أن ترى النور، ما بين مشاريع متوقفة، وصفقات مشبوهة، وتدبير مرتجل، لم تتمكن المدينة من تحقيق أي قفزة نوعية تضعها في مصاف المدن الصاعدة، حيث تحولت من مدينة واعدة إلى مدينة تعيش انتكاسات وأزمات جعلتها تتراجع إلى مستوى القرية، بلا تنمية حقيقية، وبضعف واضح في كل الجوانب والمجالات.
ومن أكبر الإشكاليات التي تواجهها المدينة هي ضعف الكفاءات في التسيير، إذ أن المنتخبين انشغلوا بالمصالح الشخصية والخلافات الداخلية أكثر من انشغالهم بتنمية المدينة. وبدلًا من العمل على تحسين البنية التحتية، وتعزيز الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة…، وجدنا أنفسنا أمام مجالس غارقة في الصراعات السياسية والتكتلات العائلية. ويعد الأمر الأكثر غرابة كون المجلس الحالي لجماعة بنسليمان يتكون في أغلبه من أعضاء ينتمون إلى عائلات مترابطة تتكون من أزواج، إخوة، أصهار، وعدد من الأصدقاء المقربين، إذ كيف يعقل أن يكون تدبير مدينة كاملة حكرًا على دائرة مغلقة من العلاقات العائلية؟ الشيء الذي دفع بالمهتمين والمتتبعين للشأن المحلي إلى طرح أكثر من علامة استفهام حول معايير الاختيار؟ ومدى تغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة؟
إلى جانب ذلك، عرف المجلس الحالي صراعات قوية تجلت في الشكايات التي تقدم بها أحد أعضاء المعارضة بشأن الاختلالات في التسيير، وهو ما سلط الضوء على العديد من المشاكل التي تعيشها الجماعة، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل شهد ( المجلس الجماعي ) تقلبات غير مسبوقة في توازن القوى داخله، حيث انقلبت موازين القوى بشكل مفاجئ، ليجد نواب الرئيس ورؤساء اللجان أنفسهم في صفوف المعارضة، مما أحدث حالة من الفوضى داخل المجلس. هذه التحولات المتتالية أدت إلى الإطاحة بميزانية الجماعة، مما أثر بشكل مباشر على سير المشاريع التنموية المقررة. والأكثر من ذلك، أن بعض الأعضاء أصبحوا يتنقلون بين صفوف الأغلبية والمعارضة بحسب مصالحهم الشخصية، بينما انسحب آخرون من حضور الدورات بشكل متكرر، مما ألقى هذا الوضع غير السليم بظلاله على قدرة المجلس على اتخاذ قرارات هامة، وزاد من تعقيد الأوضاع داخل المدينة، حيث تواصل الركود في التنمية والخدمات دون أفق واضح للخروج من هذه الأزمة.
ومع ذلك، لا يمكن إلقاء اللوم كله على المنتخبين فقط، لأن السكان أنفسهم يتحملون جزءًا من المسؤولية من خلال اختياراتهم في الانتخابات الجماعية والتشريعية، فمن غير المنطقي أن يتم إعادة الثقة في نفس الوجوه التي أثبتت فشلها في التسيير خلال الولايات السابقة، ويمكن القول والتأكيد على أن المواطنين هم الحلقة الأهم في التغيير، فإذا استمروا في اختيار ممثلين غير أكفاء، فإن النتيجة ستكون استمرار نفس المشاكل التي تعاني منها المدينة اليوم.
إن الوعي بأهمية الصوت الانتخابي والتدقيق في من يستحق الثقة هو الخطوة الأولى نحو الإصلاح الحقيقي. ولا يمكن أن تستمر المدينة في هذا المسار المتعثر، خاصة وأنها تتمتع بمؤهلات فريدة تجعلها قادرة على تحقيق قفزة نوعية إذا ما توفر مجلس منتخب يتمتع بالخبرة والكفاءة، قادر على وضع استراتيجيات تنموية واضحة، لأن بنسليمان ليست مدينة ضخمة تحتاج إلى معجزات، بل تحتاج فقط إلى تخطيط محكم، ورؤية استراتيجية، وبنية تحتية قوية. إذ لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية في ظل شوارع مهترئة، ومساحات خضراء مهملة، وضعف في الإنارة العمومية، واحتلال الملك العام بشكل فوضوي، وغياب تنظيم حقيقي لحركة السير والجولان. كل هذه الأمور قابلة للإصلاح بسهولة إذا توفرت الإرادة الحقيقية والتسيير الرشيد.
والمواطن السليماني أصبح اليوم يتطلع أكثر من أي وقت مضى إلى التغيير، وآن الأوان لأن تأخذ الكفاءات والكوادر زمام المبادرة، وأن تتولى نخب جديدة قيادة المدينة بمصلحة بنسليمان فوق كل الاعتبارات والمصالح الشخصية والسياسية. لكونها تزخر بطاقات شابة هائلة، ففي كل مناسبة أو نشاط تكشف المدينة عن شبابها المبدع في مختلف المجالات، من الرياضة إلى الثقافة، ومن الفن إلى الاقتصاد، هؤلاء الشباب يستحقون أن يكونوا في صدارة المشهد، وأن يُمنحوا الفرصة لإحداث الفرق، لأن المدينة تحتاج إلى من يعمل لمصلحتها، لا لمصالح شخصية ضيقة.
ويمكن استغلال مؤهلاتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي لتحقيق التنمية المستدامة سواء على المستوى السياحي أو الرياضي وحتى الاقتصادي من خلال إعادة هيكلتها من جديد وبنائها على أسس تنموية متينة ومستدامة في مجالات ومشاريع تنموية بيئية وسياحية ورياضية… فالمدينة تحتاج لتخطيط محكم، وبنية تحتية قوية، وشوارع نظيفة، وإنارة عمومية منظمة، وفضاءات خضراء تحافظ على هويتها البيئية، مع تحرير الملك العام، وتنظيم حركة السير والجولان، وتشجيع الفرق الرياضية، ودعم الجمعيات الثقافية والبيئية، والعمل على استقطاب السياحة. هذه ليست أحلامًا بعيدة المنال، بل خطوات عملية يمكن تنفيذها إذا توفرت الإرادة والرؤية الواضحة.
ومع احتضان بلادنا لكأس العالم 2030، يمكن أن نقول أن الأمل في التغيير أصبح ممكنًا مع هذا الحدث العالمي الذي سيشكل تحولًا كبيرًا في مسار المدينة، وهو ما سيجعل من إقليم بنسليمان نقطة محورية في هذا الحدث. فالملعب الأكبر في البلاد، والمرشح لاستضافة المباراة النهائية، سيحمل اسم الملك الراحل الحسن الثاني وسيكون في إقليم بنسليمان، مما يعني أن المدينة ستشهد تطورات غير مسبوقة في البنية التحتية والخدمات والمرافق العمومية. كما أن المشاريع المتوقفة والعالقة، مثل الأسواق النموذجية، وتأهيل الشوارع، وتوسيع المساحات الخضراء، ستجد طريقها إلى التنفيذ بفضل هذا الحدث الكبير. فما عجز عنه المنتخبون خلال السنوات الماضية سيُنجز الآن بضغط من الالتزامات الدولية التي تفرض معايير عالية في الاستعداد لتنظيم مونديال.
وستتزامن الاستعدادات لهذا الحدث العالمي الكبير مع الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وهي فرصة ومناسبة للساكنة التي ستجد نفسها أمام مسؤولية كبيرة لاختيار الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة. حيث ينبغي دعم دخول الكفاءات الحقيقية غمار الانتخابات، ومنح الأصوات لمن يستطيع حمل مشروع تنموي جاد يخدم المدينة وساكنتها لمسايرة ومواكبة تحديات ورهان تنظيم كأس العالم 2030، ومما لاشك فيه أن الانتخابات المقبلة ستكون لحظة حاسمة، ومحطة اختبار حقيقي للوعي الجماعي، فإما أن يُمنح الصوت لمن يستحقه، أو أن يستمر مسلسل التراجع والتهميش لسنوات أخرى، واستمرار هذا الوضع كما هو اليوم سيجعل المدينة تفقد المزيد من الفرص، وتبقى دائمًا خارج ركب التنمية.


الكاتب : إلياس الحرفوي

  

بتاريخ : 10/03/2025