في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.
يلاحظ الأكاديمي محبوباتي أن مكتب التقويم المحلي التابع لصندوق النقد الدولي كشف في تقرير عن سبب عدم توقع الصندوق للأزمة المالية الغربية عامي 2009-2008. وأكد أن صندوق النقد الدولي التزم بشكل وثيق بمصالح القطاع المالي الأميركي وليس (بتحذيرات) خبير الاقتصاد الرئيسي في المنظمة.
وتتساءل: “لماذا بقيت الجماهير جاهلة لهذه الحقيقة؟ لماذا لم تكشف الصحافة الحرة أن المنظمة التي صممت لخدمة مصالح 7 مليار إنسان تخدم الآن مصالح 300 مليون نسمة فقط، علما أن مركز صندوق النقد الدولي يقع في العاصمة واشنطن، مأوى أكثر الصحافة حرّيَّةً في العالم؟
الجواب البسيط في رأيه، وهو أنه رغم أن الإعلام الأميركي قد أبلى بلاء حسنًا في تحدي السياسات المحلية الأمريكية، إلا أنه أضحى على العموم مشجعًا للمصالح الأمريكية في الخارج، مع أن صحيفة واشنطن بوست تقع على بعد مسافة قريبة من صندوق النقد الدولي ولديها سمعة بالكشف عن القضايا مثل حادثة “واترغايت”، إلا أنها لم تكشف عن الفساد الفكري لصندوق النقد الدولي، الهيئة المالية الأقوى في العالم. ما يزيد الأمور سوءا هو أن الإعلام الأمريكي قد ساهم في تعزيز أسطورة على درجة موازية من الخطورة، فمنذ أن أصبح التهجم على الأمم المتحدة رياضة سياسية في واشنطن، لم تتوقف التقارير في الإعلام الغربي حول الفشل البيروقراطي والسياسي للأمم المتحدة. لطالما حصلت مقارنة ضمنية بين الأداء الفقير للأمم المتحدة في نيويورك والأداء المعاصر والفعّال الصندوق النقد والبنك الدولي.
ويلاحظ محبوباتي في مقاله السابق الذكر أن ويليام إيسترلي وكلوديا ويليامسون خلصا، في دراسة موثقة بدقة حول المساعدات الخارجية بعنوان “الخطاب في مقابل الواقع أفضل ممارسات وكالات المساعدات وأسوأها”، أن ما بين 50 إلى 80 بالمئة من المساعدات خلال أغلب فترة الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات فيدت بإنفاق المستفيدين لأموال المساعدات على البضائع والخدمات من الدول المانحة، والتصويت تماشيا معها في المنتديات الدولية كالأمم المتحدة، أو اتباع الإرشادات السياسية كفتح الأسواق أمام منتجات الدول المانحة تدلت المساعدات المقيدة بعد الحرب الباردة بشكل كبير، مما يُشير إلى أن المانحين الغربيين لم يعودوا يرون ضرورة شراء الولاء، فقد صممت المساعدات الغربية لكي تكون آلية لرشوة الدول النامية ودفعها لدعم المصالح الغربية، بينما كانت مصالح الدول المستفيدة هامشية في أفضل الأحوال. لهذا السبب، يذكرُ غاني ولوكهارت أن المساعدات أصبحت بشكل سريع في هذا السياق العالمي وسيلة لمكافأة الحكام استنادا إلى توافق سياساتهم الخارجية مع إحدى القوى العظمى أو تناقضها معها، وليس سعي هؤلاء وراء أجندة تنمية محددة. كلما انضمت دولة نامية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تجد فجأة أن حجم ا الخارجية يزداد خلال عامي وجودها في المجلس، لماذا؟ يعود تصويت الدولة النامية فجأة بالنفع على مصالح الدولة المانحة، ولهذا السبب تحصل الدولة النامية على مزيد من المساعدات الخارجية.