في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.
يؤكد مجبوباتي أنه لا ينبغي أن «نعتبر السجل الفقير للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي في تعزيز المصالح العالمية مقابل المصالح الغربية استثناء في السجل الإنساني للغرب على الساحة العالمية، بالعكس، يعد ذلك مثالاً جيدًا على الأداء السيئ للغرب في مهمته المعلنة المتمثلة بمساعدة سائر العالم. يمكن اقتباس أحد الأمثلة من ميدان يعتقد فيه العديد من الغربيين أن الغرب يؤدي دورًا محسنا للغاية، لا تبالغ إذا قلنا إن كثيرين في الغرب يعتقدون أنه لولا المساعدات الغذائية الغربية، لكان الملايين من البشر بحالة أسوأ؛ لهذا السبب قد يُصدم كثيرون حينما يكتشفون أن الملايين في العالم الثالث هم أسوأ حالاً . المساعدات الغذائية الغربية».
ويحدد محبوباتي المشاكل الرئيسة المرتبطة بالمساعدات الغذائية، كما نقلها فريدريك موسو (مستشار عالمي حول الأمن الغذائي) في النقاط التالية:
(1) المنظومة منقادة للمانحين.
(2) تعزز المنظومة المصالح الوطنية للدول المانحة.
(3) المنظومة أداة للسياسة الخارجية.
4) تنقاد المؤسسات الدولية التي توزع المساعدات الغذائية للمصدرين.
(5) الهدف ليس التنمية بالضرورة.
يقول محبوباتي: “موسو ليس المنتقد الوحيد للمساعدات الغذائية. فقد بين كريستوفر باريت – وهو خبير اقتصادي في جامعة كورنيل- أن المساعدات الغذائية الأمريكية الحكومية التي تطعم 70 مليون إنسان سنويًّا بمبلغ ملياري دولار هي بطيئة باهظة الثمن، وكثيراً ما تكون فاقدة للفاعلية.
يذكر باريت على وجه الخصوص أن الهدف الحقيقي من المساعدات الغذائية الأمريكية هو دعم أسعار المزارع المحلية، دعم الصادرات الزراعية التجارية، وتعزيز أهداف أميركا الجيو- إستراتيجية: افتتحت المساعدات الغذائية الأمريكية لمحاولة تعزيز التجارة، التخلص من الفائض، ودعم الصناعة البحرية. ذلك أن “الهدف الرئيسي ليس أصلاً إطعام الجائعين، ولكن هكذا يتم ترويجه فقط”. يدعي باريت أن 50 سنتا تقريبًا من كل دولار تنفقه الحكومة على المساعدات الغذائية لا يُنفق فعلياً على الطعام، بل على الشحن والمعالجة وغيرها من المصاريف. مع أن المساعدات الغذائية على مدى الخمسين سنة الماضية لا تُقدر بثمن، وقد أنقذت فعليا حياة مئات الملايين أو ساعدتهم، إلا أنها تؤدي دون المستوى بكثير من طاقتها الفعلية، يحصل ذلك بشكل كبير؛ لأنها تحاول أن تخدم أهدافا كثيرة ومتنوعة وقديمة الطراز إلى حد كبير.. التعددية وتقديم المساعدات للبلدان الفاسدة الأسوأ من ذلك. هو أن التعدد غير الضروري للمؤسسات التابعة لأطراف مختلفة في ميدان المساعدات الغذائية قد شكل فوضى، عوضًا عن مؤسسة واحدة، نلاحظ التنافس بين هذه المؤسسات العالمية: منظمة الطعام والزراعة برنامج الغذاء العالمي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية. وفقاً التقرير أجرته منظمة أوكسفام، تتلقى إثيوبيا 70٪ من مساعداتها الغذائية من الولايات المتحدة، ولكن تأتي هذه المساعدة بتكلفة كبيرة، حيث يتحتم إنفاق أموال المساعدات الغذائية على الطعام المنتج في أمريكا، ويجب توضيب نصفه على الأقل في أمريكا، وينبغي أن يُنقل أغلبه عبر السفن الأمريكية. لكل دولار واحد من المساعدات تقريبا، يُنفق دافع الضرائب الأميركي دولارين على النقل”.