اكتشافات أثرية في المغرب تعيد كتابة تاريخ الحياة وترسم خارطة جديدة لتطور البشر -09-

آثار أقدام الديناصورات في الأطلس الكبير: رحلة عبر الزمن إلى عالم مفقود

 

يعد المغرب واحدا من أغنى دول العالم بالمستحاثات، حيث تُخزّن أرضه تاريخا جيولوجيا يمتد لمئات الملايين من السنين، توثق تطور الحياة على كوكب الأرض.
فمن أعماق بحار العصر القديم إلى سهول العصر الطباشيري، ومن آثار الكائنات الدقيقة إلى حفريات الديناصورات، يقدم المغرب نافذة فريدة لاستكشاف العصور السحيقة.
تتميز التكوينات الجيولوجية المغربية بثرائها في أنواع مختلفة من الأحافير، بدءا من التريلوبيتات والأسماك المتحجرة التي تعود إلى العصر الأردوفيشي، وصولا إلى الزواحف البحرية والديناصورات الضخمة من العصر الطباشيري.
وقد كشف العلماء في مواقع مثل طاطا وأرفود وسفوح الأطلس عن حفريات لديناصورات نادرة، مثل “سبينوصور المغرب”، وهو أحد أكبر الديناصورات المفترسة المعروفة.
لكن الاكتشاف الأكثر إثارة كان في جبل إيغود، حيث تم العثور على أقدم بقايا للإنسان العاقل، مما أعاد رسم خارطة تطور البشر.
وتعد الصحراء المغربية مصدرا رئيسيا لمستحاثات بحرية فريدة، مثل الأمونيتات والأسماك المتحجرة، التي تحكي قصة المحيطات القديمة التي غمرت المنطقة.
وبينما يسهم المغرب بشكل بارز في الأبحاث الحفرية العالمية، تواجه هذه الثروة الطبيعية تحديات كبرى، مثل تهريب المستحاثات وغياب قوانين صارمة لحمايتها. ورغم ذلك، فإن استمرار الاكتشافات العلمية في البلاد يجعل من المغرب مختبرا طبيعيًا مفتوحا، يروي فصولا جديدة من قصة الحياة على الأرض.

في قلب جبال الأطلس الكبير بالمغرب، حيث تمتد القمم الشاهقة والوديان العميقة، تكمن أسرار تعود إلى ملايين السنين.
في هذه الأرض التي شهدت تحولات جيولوجية هائلة، تم العثور على آثار أقدام ديناصورات نادرة، تحمل في طياتها قصصا عن عالمٍ مفقود كان يعج بالحياة العملاقة. هذه الآثار، التي تعود إلى العصر الجوراسي، تكشف عن فترة زمنية كانت فيها الديناصورات تهيمن على الأرض، وتترك وراءها إرثا يحكي قصة تطور الحياة على هذا الكوكب.
تعد منطقة الأطلس الكبير، وخاصة مواقع مثل إملشيل وإيواريضن، من أهم المواقع العالمية لاكتشاف آثار أقدام الديناصورات. هذه المناطق، التي كانت في الماضي جزءا من بيئات بحرية دافئة وضحلة، تحتفظ بطبقاتٍ رسوبية غنية بالأحافير، بما في ذلك آثار أقدام الديناصورات التي تركتها منذ ما يقارب 160 إلى 165 مليون سنة.
هذه الآثار، التي تم اكتشافها، تعود إلى أنواعٍ مختلفة من الديناصورات، بما في ذلك الثيروبودات آكلة اللحوم ذات الأقدام الثلاثية الأصابع، والصوروبودات العملاقة ذات الأعناق الطويلة التي كانت تتغذى على النباتات .
ما يجعل هذه الاكتشافات مميزة هو حالة الحفظ الاستثنائية للآثار، والتي تسمح للعلماء بدراسة تفاصيل دقيقة عن حركة هذه الكائنات العملاقة. على سبيل المثال، تم اكتشاف آثار أقدام لثيروبودات يصل طولها إلى 80 سم، مما يشير إلى وجود ديناصورات ضخمة كانت تجوب المنطقة.
هذه الآثار لا تكشف فقط عن حجم هذه الكائنات، بل أيضا عن سرعتها وطريقة تفاعلها مع بيئتها. فمن خلال تحليل المسافات بين الخطوات، يمكن للعلماء تحديد ما إذا كانت هذه الديناصورات تسير ببطء أم تركض، وحتى ما إذا كانت تتفاعل مع بعضها البعض في سلوكيات مثل الصيد أو الهجرة .
لكن أهمية هذه الاكتشافات لا تقتصر فقط على فهم سلوك الديناصورات، بل تمتد إلى فهم التغيرات البيئية والمناخية التي شهدتها الأرض خلال العصر الجوراسي. فمن خلال دراسة الطبقات الرسوبية التي تحتفظ بهذه الآثار، يمكن للعلماء استنتاج كيف كانت البيئة في ذلك الوقت، من حيث المناخ ونوعية النباتات والحيوانات التي كانت تعيش في المنطقة.
هذه المعلومات تساعد على فهم كيف تطورت الحياة على الأرض، وكيف استجابت الكائنات الحية للتغيرات الكبرى في بيئتها .
الأطلس الكبير، بفضل تركيبه الجيولوجي الفريد، أصبح كنزا لعلماء الأحافير. فبالإضافة إلى آثار أقدام الديناصورات، تم اكتشاف حفريات لزواحف بحرية عملاقة وتماسيح قديمة، مما يعكس التنوع البيولوجي المذهل الذي كان سائدا في تلك الفترة.
هذه الاكتشافات لا تسلط الضوء فقط على تاريخ الأرض، بل على أهمية الحفاظ على هذا التراث الجيولوجي، الذي يعتبر جزءا من تاريخنا المشترك ككائنات حية على هذا الكوكب .
آثار أقدام الديناصورات في الأطلس الكبير ، هي رسائل تحمل في طياتها حكمةً عميقةً عن الحياة والزمن والتطور. هذه الآثار تذكرنا بأن الأرض كانت ولا تزال في حالة تغير مستمر، وأن كل كائن، مهما كان حجمه أو قوته، يترك وراءه أثرا يمكن أن يروي قصة عن وجوده.
من خلال دراسة هذه الآثار، نستطيع أن ننظر إلى المستقبل بعيونٍ أكثر حكمة، مدركين أننا جزء من سلسلة طويلةٍ من الحياة التي بدأت منذ مليارات السنين.


الكاتب : n جلال كندالي

  

بتاريخ : 11/03/2025