واش حنا هوما حنا..-10- «تبدال» الساعة الرمضانية

هي مظاهر ومشاهد إما عشناها أو واكبنها كأحداث ، منها ما يدخل في إطار نوسطالجيا جمعتنا ومنها ما هو حديث مازلنا نعيشه ، في هذه السلسلة نحاول إعادة قراءة وصياغة كل ما ذكرنها من زاوية مختلفة ، غير المنظور الآني في حينه لتلك المظاهر والمشاهد والتي يطبعها في الكثير من الأحوال رد الفعل والأحكام المتسرعة ، وهي مناسبة أيضا للتذكير ببعض الجوانب من حياتنا ، وببعض الوقائع التي مرت علينا مرور الكرام بدون تمحيص قي ثناياها…

«تبدال» ساعة بأخرى، علمنا المغاربة القدامى أنها تأتي في سياق التسامح مع الآخر، لذلك هي تتردد كلما نشب خلاف بين اثنين واحتدم ليصل إلى مستوى العنف، سواء اللفظي أو الجسدي، مضمون جميل يدعو المرء إلى لعن عزازيل في حالة وصل مرحلة الغضب الشديد ولم يعد قادرا على ضبط مخارج لسانه وأحيانا ردة فعل يديه.
الساعة الرمضانية أو تغيير الوقت في المغرب بزيادة ساعة، تقررت في عهد حكومة قادها التيار الإسلامي في المغرب، لمكر الصدف أن «تعويج الموري» على نحو ساعة، كان اضطراريا لضبط الزمن الاقتصادي الوطني مع الدورة الاقتصادية العالمية، هذا ما فسره لنا المختصون في الأمور المالية والاقتصادية، وهي الساعة التي فهمنا من خلالها نحن الذين لا نعرف للدولار وماكينة اقتصاده إلا ما يقدمه لنا روبير دي نيرو في أفلامه، التي نعشق فيها «البونية» أكثر من الورقة الخضراء للي «داير عليها الفيلم»، أن الفقهاء بدورهم يخضعون لفروض الاقتصاد الدولي، المتحكم فيه من بلاد الخارجين عن الملة، رغم أن الساعة آتية لا ريب فيها…
وقالت الحكمة، لك الساعة التي أنت فيها، أي عش ساعتك كما ينبغي وامنحها حقها ولا تجعل لا الماضي أو القلق حول ما هو قادم، يؤثر فيك ويفسد ساعتك تلك، هي حكمة لذيذة، لكن مصيبة ساعتنا أنها طويلة ولا متعة فيها ولا تشبه سوايع بعض «الدوماليين»، ساعتنا مضنية وقد تظل في غرفة انتظار عريضة لا حيوط حدودية لها، عساها تمر، لتحنقز للساعة المذكورة في الحكمة، وقد تفوت ساعات بالشهور وتحسبها ساعة ولا يتحقق مضمون الحكمة المعول عليها، وقد تطل من نافذة قاعة الانتظار الكئيبة، وترى سويعات الأصيل وهي تدر العملة الصعبة على أصحاب «السطاسيونات» وبناة «الكلينيكات» والمطاعم بدون ترخيص، وحكام التعليم في المدارس الخاصة وغيرهم، ترى كيف أن ساعتهم «تكركر» في كل «سوكوند»، وأنت منهك في طابور طويل تنتظر ورقة «لامو»، مجرد ورقة تم الحديث عنها في التلفزيون، ما بينك وبينها إلا السماع، في ساعة مرض عنيفة جاد بها قارئ الأخبار في محطة ما، وحينما تنزل للبحث عنها، تجدك تحمل علتك بكل ما أوتيت من علة، لتدخل في طوابير إدارية أخرى لا تحدها عدادات الساعات، ربما المرحوم محمود الإدريسي وهو يتغنى بـ»ساعة سعيدة»، كان يعرف ما يقول، ربما يشير إلى ساعة نشوة عابرة، لكنها لن تفوت ساعة، أو ربما كان يقصد ساعة سعيدة في طابور البؤس الحاصل في قاعة الانتظار الكئيبة، كأن يأتي دورك للدخول إلى المرحاض في تلك القاعة الممتلئة حتى جنبات الطوار المقابل للقاعة، وهي كذلك هذه الساعة التي لا تنتهي في قاعة لا تنتهي، حتى إننا لما أردنا أن نسعد الأيتام والمتخلى عنهم، سمينا المؤسسة « ساعة الفرح»، رغم أن المؤسسة تهتم لهؤلاء لمدد طويلة، إلا أن الاعتقاد الداخلي عندنا يذهب من خلال التسمية أن الفرح حدو ساعة، ولا علاقة له بالأيام والشهور والأعوام، وقد ترجم ذلك الغيوان عندما قالوا « مال يومي ما صفات سوايعو ديما ظلام»، وحذروا العمال عندما قالوا « وا لعمالة راه السوايع بدالة»، فكم من عامل أو مدير تبدلت ساعة فرحه مع تنصيب باطرون جديد، حتى في المحلات والأماكن التي تدعي أنها تبيعك ساعات من السعادة والاسترخاء، مع دوران «الموري «يتبدل وجه «الفيدور» أمام عينيك، هو من استقبلك ببشاشة وحبور للدخول وقدم لك الكرسي للجلوس، ونادى على النادل كي يتهلا فيك ويقدم أحسن ما لديه، هو نفسه من «يصرفق» ملء أذنيك، بعدوانية، كي تغادر، وقد «يمرمقك» لأن ساعة الإقفال قد حلت، وحل محلها العبوس، حتى إن إحدى المغنيات الطربيات كان آخر ما غنته هو أغنية تصيح فيها « ساعات ساعات.. «، وكأنها تاهت لفهم الساعة ولغز تبديل الساعة ومن صنع الساعة وهل هي مجرد تحديد زمني، أم هي حياتنا ووجودنا، وهل تحددنا الساعة وتصنع أوقاتنا وتجعلنا على مقاس عدادها، أم كبلنا، نحن، طلاقة وجودنا بحسب عقاربها؟ !


الكاتب : n العربي رياض

  

بتاريخ : 12/03/2025