في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.
يصر الغرب على الدعم الخادع لمجموعة من المفاهيم (حقوق الإنسان، دولة الحق.. إلخ) التي يرى جيل دولوز أنها «محض تجريدات» تُستعمل سندا لمنع كل فكر وكل تحليل يحاول أن يتوسل بالمفاهيم الحركية. فالغرب يقمع الحركة في ما عداه ليعزز هيمنته. وهذا هو الشكل الفظيع للتبعية. أما محبوباتي، فإنه يعتبر أن المساعدات مجرد ترجمة لهيمنة المصالح الغربية وليس مصالح المستفيدين الفقراء.
يقول: «بالفعل، حينما يتعلق الأمر بتوزيع المساعدات الغربية، فإن المصالح الغربية أهم من القيم الغربية، كانت مهمة الغرب نظرياً خلال الحرب الباردة هي ترويج الديمقراطية، أما عمليا، فقد فعل الغرب عكس ذلك تماما، حيث زادت حصة مساعدات الأنظمة الاستبدادية الداعمة لأمريكا من 45 % في العام 1960 إلى نحو 80٪ في العام 1990. في تحد لحاجات المستفيدين والقيم المعلنة للدول المانحة، خصصت المساعدات بشكل واضح لتحقيق نتائج السياسة الخارجية التي تعود بالنفع على المانحين. يُظهر إجراء أي تدقيق موضوعي وقوع فساد كبير على جهتي الدول المانحة والمستفيدة. سوف يتفاجأ كثير من مواطني الغرب حينما يكتشفون أن الدعم الغربي للدول الفاسدة» قد ارتفع ولم يتوقف رغم الادعاءات المتكررة على خلاف ذلك”.
ويتابع: “وفقا لإيسترلي وويليامسون، ارتفعت المساعدات المرسلة إلى البلدان الفاسدة في الفترة الممتدة بين 1994 و2008 من نحو 20 إلى 80٪ تقريبا، في تناقض واضح بين خطاب المانحين والواقع. ستيفن غرين هو أحد الأشخاص الأسمى أخلاقيا الذين التقيت بهم، وهو واعظ أصبح بشكل مفاجئ المدير التنفيذي لمصرف HSBC ومن ثم وزير التجارة والاستثمار في حكومة رئيس الوزراء ديفيد كامرون. وقد ألف غرين كتاباً رائعاً حول الخير الذي يمكن أن يُحققه الرجال والنساء في العالم بعنوان «القيمة الحسنة: أفكار حول المال والأخلاق والعالم الفلق».
يصف غرين في هذا الكتاب جهود شابين من أستراليا وبريطانيا أقدما على إنقاذ الأيتام في كينيا والهند. من المفاجئ أنني اضطررت بشدة حينما قرأتُ هذه القصة وقررت بعد التفكير أن أشاركه همومي، أخبرته بمنتهى الصراحة أنه رغم قصص الشابين التي تمس القلوب إلا أنها تحوي جانبا سلبيا؛ لأنها تُخلدُ الأسطورة التي تنص أن الرجال البيض الشجعان المستعدين للذهاب إلى أماكن بعيدة هم وحدهم من يستطيعون إنقاذ العالم. أضفتُ أن التجربة الآسيوية تقدّم فكرة مختلفة؛ فقط حينما اقتنع الأسيويون أنه يمكن تحسين وضعهم بأنفسهم، انطلقت مجتمعاتهم.
بإيجاز، من الضروري أن تُنمّي المجتمعات التي استعمرت سابقا ثقتها بنفسها لكي تنجح. بما أنني ترعرعت في مستعمرة بريطانية، فإنني قد اختبرت الاستعمار الفكري الذي أدى بي إلى الاعتقاد بأنني مواطن من الدرجة الثانية. لقد جهد جيلي لطرد هذه الأسطورة من أ أذهاننا، نجحناء فنجحت مجتمعاتنا.
قلة فقط في آسيا اليوم يشعرون أنهم أدنى بأي شكل من الأشكال. في هذه البيئة العالمية الجديدة، سوف ينزعج سائر العالم بشكل أقل إذا تراجع الغرب بضعة خطوات عن المرتفع الأخلاقي الذي ادعاه لنفسه طويلاً، أو على الأقل إذا وافق على اقتسام المكان. يقول ستيفن والت أستاذ وهو في جامعة هارفرد: يأخذ الأمريكيون على وجه الخصوص) مديحا فائضا لقاء التقدم العالمي ويتقبلون لوما قليلاً في المواضع التي تسببت السياسة الأميركية بنتائج عكسية. يُشير والت أيضًا إلى ما يلي:
تتحدد السياسة الخارجية الأمريكية بشكل رئيسي عبر قوتها النسبية والطابع التنافسي المتأصل للسياسات الدولية، ومن خلال تركيز الأمريكيين على خصائصهم الاستثنائية المفترضة، فإنهم يعمون أنفسهم عن الأبعاد التي يُشبهون بها الآخرين كثيرا. هذا الإيمان غير المنازع فيه بالتفرد الأمريكي يُصعب على الأمريكيين أن يفهموا لماذا الآخرون هم أقل حماسًا تجاه الهيمنة الأميركية، وكثيرا ما تقلقهم السياسات الأمريكية وينزعجون مما يعتبرونه نفاقاً أمريكيا، سواء أكان ذلك يتعلق بامتلاك الأسلحة النووية، والالتزام بالقانون الدولي، أو بميل أميركا لإدانة سلوك الآخرين والتغاضي عن فشلها الذاتي.