الأسلحة والمعادن‭ ‬وإنهاء‭ ‬نفقات ‬المينورسو‮!‬ (‭‬3)

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com

تقديم:
عادت أسطورة تقسيم الصحراء المغربية إلى واجهة الحديث الإعلامي، بمناسبة مقال وقعته هانا راي أرمسترونغ على صفحات مجلة الشؤون الخارجية ( فورين افيرز) بتاريخ 4 مارس الجاري، وهي التي تعد نفسها كاتبة ومستشارة سياسية في قضايا شمال إفريقيا والساحل. وفي مجلة تعرِّف نفسها بأنها مجلة أمريكية تصدر كل شهر عن مجلس العلاقات الخارجية، وهو خلية تفكير مستقلة متخصصة في السياسة الخارجية. وبذلك فإن تأثيرها من تأثير الجهة التي تصدرها، حيث إن مجلس العلاقات الخارجية (بالإنجليزية: Council on Foreign Relations)‏ هو منظمة في شكل خلية تفكير مستقلة أمريكية، هدفها تحليل سياسة الولايات المتحدة الخارجية والوضع السياسي العالمي، تأسست في 1921، تتكون من أكثر من 000 5 عضو جلهم من طبقة الأعمال، الاقتصاد والسياسة. مقرها الرئيسي في نيويورك، ولديها مكتب أيضا في واشنطن العاصمة.
أما المجلس الذي يصدرها فيعتبر ” واحدا من أهم خليات التفكير الأكثر تأثيرا في السياسة الخارجية، وتبين كذلك كما هو مذكور في موقعه على شبكة الإنترنت، أن مهمته تتمثل في أن يكون مورداً لأعضائه والمسؤولين الحكوميين ومديري الأعمال التجارية والصحفيين والمربين والطلاب والقادة المدنيين والدينيين وغيرهم من المواطنين المهتمين، من أجل مساعدتهم على فهم العالم بشكل أفضل، وخيارات السياسة الخارجية التي تواجه الولايات المتحدة ودولا أخرى، وهي تعقد اجتماعات يناقش فيها المسؤولون الحكوميون والقادة العالميون والأعضاء البارزون في مجتمع السياسة الخارجية القضايا الدولية الرئيسية”.
هنا الحلقة الثالثة والأخيرة حول مغالطات الكاتبة والمجلة.
كما‭ ‬يطرح‭ ‬مقترح التقسيم المُحيَّن سؤالا‭ ‬ملغزا‭ ‬‮:‬‭ ‬هل‭ ‬الحل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يمنح‭ ‬المغرب‭ ‬للجزائر‭ ‬والبوليزاريو‭ ‬مفاتيح‭ ‬عمقه‭ ‬الإفريقي‭ ‬ويقدم‭ ‬الجدار‮ الترابي‭ ‬الذي‭ ‬يخنقه من بعد،‭ ‬أمام‭ ‬العداء‭ ‬الذي‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬الجزائر منذ نصف قرن ؟‬
السؤال‭ ‬التالي‮:‬‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬نربط‭ ‬بين‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬هاته‭ ‬الثروات، وبين‭ ‬تصريحات‭ ‬ السفير الجزائري في واشنطن صبري بوقادوم‭ ‬وعرضه‭ ‬لأمريكا‭ ‬بمنح‭ ‬معادن‭ ‬بلاده‭ ‬لأمريكا‭ ‬ترامب‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‮..‬
إن‭ ‬هانا‭ ‬أرمسترونغ‭ ‬لا‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬أسبابا‭ ‬معقولة‭ ‬تدفع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ” ‬ليوجه‭ ‬الخصوم‭ ‬إلى‭ ‬اغتنام‭ ‬هاته‭ ‬القضية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬حل‭ ‬الأزمة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتيح‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬كنز‭ ‬من‭ ‬المعادن‭ ‬النادرة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الشرقية‭ ‬للأطلسي‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬لمهمة‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬تجاوزها‭ ‬الزمن‭ ‬وعفا‭ ‬عنها‮”.‬
وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬المتتبع‭ ‬اللبيب أن‭ ‬الكاتبة ‭ ‬تعزف‭ ‬على‭ ‬وتر‭ ‬حساس‭ ‬لدى‭ ‬الرئيس‭ ‬الجديد‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعادن‮(‬‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬‮)‬‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬لمهمة‭ ‬بعثة‭ ‬المينورسو‮(‬‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬خروج‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬المنظمات‭ ‬والبعثات‭ ‬التي‭ ‬تساهم‭ ‬فيها‭ ‬واشنطن‭ ‬ماديا! ) …
نقدر أن المقال الموجه يشكل أحد عناصر الهجمة الجديدة للجزائر في سياق مطبوع بسيادة منطق الربح المالي والاقتصادي، في تدبير ملفات شائكة عالميا. ولعل هناك بعض العناصر المتكاملة الأخرى التي تجعل من عودة أسطوانة التقسيم إلى الواجهة بالتقرب من واشنطن.. ونلخصها في ما يلي:
ـ الإعلان الصريح للرئيس تبون، في حواره مع يومية «لوبينيون» الفرنسية، الناطقة باسم رجال المال والأعمال، بأن بلاده مستعدة للتطبيع مع إسرائيل بدون شروط.
ـ اعتماد الجزائر لمكتب ضغط “اللوبييينغ” مقرب من إسرائيل، بعد تعاقدها مع مكتب “BGR Group”، من أجل الدفاع عن مصالحها في الولايات المتحدة. والطرف الذي وقع العقد هو نفسه …صبري بوقادوم!
ـ والتذكير بالمحاكم الأوروبية، يحسن بنا هنا استحضار السعي الجزائري لاستعمال المال من أجل الاستفادة من الخبرات القانونية وغير القانونية في الدفاع عن أطروحاتها، بالرغم من أن العالم كله يشهد على تخبط النخبة الحاكمة وارتباكها إلخ… وعليه فهي تملك المال للدفع للخبرات والمستشارين كما للمحللين والمجلات المدفوعة الأجر…

ـمحاولة الاستفادة من التقارب الروسي الأمريكي حول الملف الأوكراني( نفس المعادن)، والسعي إلى الاستفادة من فرصة ذهبية تجعلها تتقرب من واشنطن بدون إغضاب موسكو…
ـ محاولة الاستفادة من التعارض الظاهر بين فرنسا ماكرون وأمريكا ترامب، ولاسيما في ما يخص دور أوروبا في الملف الأوكراني والعلاقة مع بوتين، وهو تعارض يخدم العقدة النفسية والحسابات السياسية معا، لدى النخبة الحاكمة في الجزائر، وينفس عنها اختناق
إعلان السفير ذاته عن وجود “مذكرة التفاهم الجزائرية-الأمريكية الموقعة في 22 يناير الماضي وضعت إطارا قانونيا للتعاون ومهدت الطريق للعديد من الفرص المستقبلية”، بما فيها “إمكانية التوقيع على اتفاق توريد أسلحة أمريكية للجزائر”.
ولعل الفاضح في المقال هو التلويح بمصالح وطن المالية من وراء قرار التقسيم! وهو تلويح، يا للغرابة، يلتقي مع تصريحات بوقادوم، الذي يقود “اللوبيينغ” في واشنطن. وتبني صاحبة المقال هذا الإغراء بالتقارب بين واشنطن والجزائر، على أساس أن “الجزائر وضعت حدا للانضمام إلى “البريكس””، وهو كذب في الواقع باعتبار أن “البريكس” هي التي رفضت هذا الانضمام الذي طبل له تبون كثيرا قبل أن يعلن خيبة أمله منه، التي فسرها وزير الخارجية لافروف (بأن الدول التي تم رُفض التحاقها لا تملك الوزن ولا الهيبة!)، إلى ذلك تلوح المقالة بالمصالح النفطية لكبريات الشركات الأمريكية في الجزائر، والأهم من النفط .. السلاح، حيث تقول هانا ارمسترونغ إن” صناع الأسلحة الأمريكيين أمامهم فرص غير مستغلة مع بلاد ضاعفت من نفقاتها العسكرية منذ اجتياح أوكرانيا من طرف روسيا”.
وتضيف الكاتبة “إذا لعبت واشنطن دورا في المفاوضات بخصوص تسوية تدعمها الأمم المتحدة، فإنها ستكون في وضعية جيدة للحصول على منفذ إلى المعادن الأطلسية النادرة في جبل “تروبيك” على طول ساحل الصحراء “، الذي يبدو لها أنه موضوع شهية صينية، بيّنتها زيارة الرئيس الصيني “شي جينبينغ” إلى جزر الكنارياس والمغرب”!
بطبيعة الحال، كل ما سبق ينضاف إلى اقتراح إلغاء بعثة “المينورسو”، كما حدث مع البعثات الأممية في مالي وفي السودان، ونظيرتها في الصومال والعراق التي توشك أن تلقى نفس المصير.
لا يحتاج القارئ إلى مجهود كبير في التحليل ليربط بين تحيين مقترح التقسيم، وبين الوضعية الجديدة للجزائر في محيط تخسر فيه ديبلوماسيا على الجبهات الديبلوماسية والميدانية، وبين مراهنة لا تخلو من انتهازية سياسية، على الطموحات المعلنة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تفعيل “الصفقات في العلاقات الدولية”.
ختاما، بالرغم من كل ما قصده من تسويغات عن “حركة الانفصال” وعن تمثيل “الشعب الصحراوي”، فإن المقال يحمل بذور تهافته… في ذاته!
ذلك أن حجر الزاوية في معالجة الوضع، هو التخويف من زعزعة استقرار المنطقة ( الغنية بالمعادن والفرص) ومخاوف اندلاع حرب بين المغرب… والجزائر!
وهو بحد ذاته إقرار بأن هذه الأخيرة أصل المعضلة والطرف الرئيس في الملف، وأن المقترح بالتقسيم، يحيِّن مطلبا جزائريا، وأن إغراء الرئيس الأمريكي بالمكاسب المعدنية والتسليحية والصفقات النفطية، يلتقي، زمنيا وحرفيا، مع ما صرح به السفير الجزائري في واشنطن صبري بوقادوم!

 

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com - بتاريخ : 12/03/2025