واش حنا هوما حنا.. 11- الجن الخاوي

هي مظاهر ومشاهد إما عشناها أو واكبنها كأحداث ، منها ما يدخل في إطار نوسطالجيا جمعتنا ومنها ما هو حديث مازلنا نعيشه ، في هذه السلسلة نحاول إعادة قراءة وصياغة كل ما ذكرنها من زاوية مختلفة ، غير المنظور الآني في حينه لتلك المظاهر والمشاهد والتي يطبعها في الكثير من الأحوال رد الفعل والأحكام المتسرعة ، وهي مناسبة أيضا للتذكير ببعض الجوانب من حياتنا ، وببعض الوقائع التي مرت علينا مرور الكرام بدون تمحيص قي ثناياها…

 

لا أدري لماذا نعطي هذا الكائن، في أوساطنا المجتمعية، كل تلك الحظوة في مخيالنا، ففي وصفنا له نجده دائما لا يريد إلا أن يسكن، ألا نقول فلان « ساكنو « جن أو فلانة « ساكنها « جن أو هذا المكان يسكنه « الجنون «، هل هو مثلنا عنده هذه الأزمة ؟ أزمة السكن ؟ هل هو مثلنا يعرف أن فكاكين لوحايل في هذا الباب، هم عتاة المنعشين من مثل الصفريوي والجامعي والنقطة ولعلالي و»جيت سكن»وغيرهم، ممن يُمنحون أراض بأثمنة رمزية ليكدسوننا فيها.
بإمكان الجن المشرد الذي يبحث عن سكن أن يلجأ لهؤلاء المنعشين، لماذا يختار ذواتنا وأجسادنا وقواديسنا وبيوت لوضو عندنا ليسكن ؟؟ وفي الحقيقة، فالجن يعاني هذه المعضلة منذ حتى قبل أن تظهر المساكن على وجه البسيطة، فهو دائم البحث عن مستقر، ولعله بالسكن قد يفند ما هو مرسوم في مخيلتنا عنه، هذا ما أعتقده، ففي الوقت الذي يقال لنا بأنه يقطع المسافات في رمش العين وبأن بمقدوره الاطلاع على أمور لا نقدر نحن البشر على تصورها، لا أجده إلا لاصقا في «قزازيبنا»، يخرج من هذا الجسد ليرسو في جسد آخر، كأي ذبابة دوخها المبيد وتريد اعتلاء أي جسد لتستوعب ما يجري لها، لا أجده إلا حاكيا غماقا يتبنى الأساطير ليكون له مكان بيننا، مجرد كائن مغبون « مديموراليزي «، وإلا لماذا لا يقوم ، ما دامت له القدرة على التحليق والتحرك بسرعة البرق، بجولة في ملايير المجرات المتواجدة في الكون ويستمتع بكل تلك القدرات الخارقة، لا أجده في الحقيقة إلا مريضا معتلا يريد أن يستريح في أي جسد، كائن منهك رجلاه فاشلتان وكذلك ذراعاه، حتى النار المكونة له أبرد من ماء الصنبور، ألا يقال بأن فلانة مسكونة بسبب أنها سكبت الماء الساخن في حوض غسيل الأواني، فاحترق جسد الجني، ليقرر أن يسكن وسط ضلوعها، ألم أقل بأنه كائن غير مؤهل لأي شيء لا تلتزم أوصافه بأي وصف، فهاهو مصنوع من نار وفي نفس الوقت تحرقه السخونة، يسافر عبر الزمن لكنه في نفس الوقت يحب دروب اسباتة ودوار التقلية ودوار نبيل والمجموعة ربعة وكاريان الغفلة وكاريان بيه، وجل الدواوير القصديرية والعشوائية والمهملة، ولا يجد إلا بنات هذه الأحياء وأولادها ليسكنهم، هو «خاطياه» أحياء كاليفورنيا والوازيس والرياض وطريق زعير وغيرها من الأحياء حيث الناس تطير مع الجنون، كل دلاله يرميه على تلك الأجساد المنهكة المهزومة، وكأنه يعين الزمن عليها ويزيد في ألمها، المصيبة العظمى أنه مسلم، ألا يقال بأن فلان أو فلانة فيه « لمسلمين « وبالتالي لا بد أن نرقيه، ويخرج الجن بمجرد ما يسمع القرآن أو يرش بماء زمزم ، هنا يتوقف كل شيء، كيف لجني مسلم يخاف من القرآن ؟؟ ومادام يحب ماء زمزم، لماذا لا يطوع ذاته إلى السعودية مباشرة وفي رمشة عين، ويدخل الجب هناك ولا يخرج، ثم لماذا لا يسكن الأبناك والقصور والفيلات والمنتجعات؟ لماذا يزاحم الأسر في غرفة تكتريها أو كوخ بنته عشوائيا، هذا الجني إما جبان حتى النخاع ويبحث عن الدفء في أعشاشنا، أو أنه مسخر للأغنياء الذين لا يمس شعرة من أجسادهم وهو يهابهم حتى الموت، ويفرجهم فينا كي يظل موجودا وإلا علموه الجنون منين كيكحب !!!

 

 


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 13/03/2025