في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.
من يحكم أوروبا وأمريكا اليوم؟ من هو المسؤول عن طريقة التفكير الغربي في العالم؟ هل هم السياسيون الأخلاقيون، أحفاد أساتذة التنوير، أم هم رجال الأعمال عبيد الرأسمال؟
يقول أستاذ الفلسفة في جامعة ستانفورد: «لقد فقدت الطبقة السياسية كل الثقة في قدرتها على تسيير دفة الحكم. كل هذا يحدث كما لو أن هدف السياسة، والذي هو تجميع الأطراف في بوثقة واحدة، أن تتجاوز، من الآن فصاعدا، مؤهلاتنا. زد أنه بسبب تنوع السكان والعوائد الأخلاقية، يبدو أن هذا الهدف يبقى خارج المتناول. فبما أننا عاجزون تماما عن إنتاج وحدة سياسية واقعية، فإننا ملزمون أن نتكلم كما لو أن الوحدة الإنسانية كانت قائمة هنا سلفا. إن المسلك السليم سياسيا هو اللسان الاصطناعي للناس الذين يرتعشون من فكرة عما يمكن أن يحدث لو كفوا عن الافتراء عن أنفسهم. غير أن هذا الأمر مرتبط أساسا، وأنت في ذلك على حق، بفقدان الثقة بفكرة الحقيقة.
صحيح أننا قد أعددنا جداريات عظيمة عن تاريخ الإنسانية لكن تلافينا إثارة مسألة الحقيقة. فنحن نقابل، على سبيل المثال بين حقبتين كبريتين من تاريخ الإنسانية، حقبة « holiste » حيث اعتقد فيها الناس كافة بالإله، وحقبة النزوع الفرداني حيث أن جميع الناس صاروا عادة بلا اعتقاد. هكذا هو شأن الكائن الإنساني- من حيث هو دوما مستغرق برأي مهيمن على عصره- لن يجد نفسه في وضعية تتيح له حرية التساؤل عما هو حقيقي».
إن ما هو حقيقي، تبعا لذلك، هو يصنعه الغرب، وما يسخر من أجله آلته الدعائية لنصدقه نحن باستمرار، ودون أي مقاومة فكرية. ومن ذلك مجموعة من المفاهيم التي اخترعها هذا الغرب، وحولها إلى حديقة خاصة يزرعها بما شاء من الأكاذيب. فمثلا «على الرغم من أن موضوع خطاب الكراهية [يقول سعد عبد السلام] قد حظي باهتمام كبير من الناحية القانونية، إلا أن هذا الاهتمام انحصر في تقديم الحجج وتقويمها بشكل نقدي، لدحض مبررات خطاب الكراهية، بدلاً من المهمة المتمثلة في تحليل المصطلح نفسه؛ ويبدو أن الوصول إلى تعريف شامل لما يسمى خطاب الكراهية، ظل أمراً صعبًا ومعقدًا، نظرا لاشتمال هذه الظاهرة على مفاهيم متشعبة في المواثيق الدولية. فهذا المصطلح لم يتم تناوله صراحةً في المواثيق الدولية إلا من باب محاولات حظر أشكاله وذكر مبرراته، ولتعريفه وضبط مفهومه، كان لا بد من العودة إلى النصوص القانونية والاصطلاحية. والحقيقة هي أن خطاب الكراهية مصطلح حقوقي فضفاض، يُعرف على أنه:
أنماط مختلفة من أنماط التعبير العام التي تنشر الكراهية أو التمييز أو العداوة، أو تحرض عليها وتروج لها أو تبررها، ضد شخص أو مجموعة ما، أو نشر الدعوة إلى الكراهية والتمييز والتحيز، أو العنف والعدوانية ضد حاملي صفات معينة، مثل: العرق أو الدين أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو اللون أو النسب أو الجنس، أو أي عامل هوية آخر؛ كما تندرج تحت مسمى هذا الخطاب، كل العبارات المؤيدة للتحريض على الضرر. فكل خطاب عبر عن مواقف متحيزة تمييزية، اتجاه جنس أو عرق أو دين أو إثنية أو إعاقة أو نحوها … فهو خطاب كراهية، فخطاب الكراهية خطاب استعلائي هجومي، الهدف من نشره التأصيل لممارسات تمييزية في منطقة أو مجتمع ما، مثل قرية أو مدرسة… وقد تتسع لتشمل شعوبًا أو أعراقا، أو عقيدة دينية أو دولة أو ثقافة ما.