أحزاب‭ ‬الحكومة‭ ‬تتسابق‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الإحسان‭ ‬السياسي‮» ‬‭ ‬ضدا‭ ‬على‭ ‬مرسوم‭ ‬صادقت‭ ‬عليه،‭ ‬منذ‭ ‬أسبوع،‭ ‬خاص‭ ‬بمنع‭ ‬توزيع‭ ‬المساعدات‭ ‬

رفض‭ ‬الناطق‭ ‬الرسمي‭ ‬باسم‭ ‬الحكومة،‭ ‬مصطفى‭ ‬بايتاس،‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬الصحفيين‭ ‬بشأن‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬طَرحتْها‭ ‬صور‭ ‬شاحنة‭ ‬جماعة‭ ‬تيوغزة‭ ‬بإقليم‭ ‬سيدي‭ ‬إفني،‭ ‬وهي‭ ‬تفرغ‭ ‬مساعدات‭ ‬خيرية‭ ‬أمام‭ ‬منزل‭ ‬أسرة‭ ‬أحد‭ ‬الوزراء‭ .‬
الناطق‭ ‬الرسمي‭ ‬باسم‭ ‬الحكومة‭ ‬اكتفى‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ «‬القضايا‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬السياسي‭ ‬ستجد‭ ‬الفضاء‭ ‬الأمثل‭ ‬للتفاعل‭ ‬معها‭»‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬غامضة‭ ‬فهمها‭ ‬الصحافيون‭ ‬بأنها‮«‬‭ ‬هروب‭ ‬من‭ ‬الجواب‮»‬‭ ‬ورأت‭ ‬صفحات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أنها‭ ‬تغذي‭ ‬‮«‬شكوك‭ ‬المواطنين‭ ‬حول‭ ‬استغلال‭ ‬العمل‭ ‬الخيري‭ ‬لتمرير‭ ‬أجندات‭ ‬حزبية‮»‬‭. ‬
تزامن‭ ‬الحدث‭ ‬مع‭ ‬اتهامات‭ ‬لنشطاء‭ ‬محليين‭ ‬بأن‭ ‬المؤسسة‭ «‬المعنية‭ ‬بالشاحنة‭ ‬وحمولتها‮»‬‭ ‬تستخدم‭ ‬لتوظيف‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬لخدمة‭ ‬أغراض‭ ‬سياسية‭» .‬
ولم‭ ‬تسهم‭ ‬التصريحات‭ ‬المتناقضة‭ ‬لرئيس‭ ‬جماعة‭ ‬يوغزة‭ ‬في‭ ‬تبديد‭ ‬الغموض؛‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬بنفي‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬للجماعة‭ ‬بالمؤسسة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتراجع‭ ‬ويصف‭ ‬الأمر‭ ‬بـ‭»‬مهمة‭ ‬خاصة‭»‬،‭ ‬دون‭ ‬إفصاح‭ ‬عن‭ ‬طبيعتها‭.‬
‭ ‬كما‭ ‬أثارت‭ ‬صور‭ ‬تظهر‭ ‬لوحة‭ ‬ترقيم‭ ‬الشاحنة‭ ‬مُغطاةً‭ ‬تساؤلات‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬إخفاء‭ ‬هويتها،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬وصفت‭ ‬بـ‭»‬المشبوهة‭» ‬والمخالفة‭ ‬للقانون‭.‬
وسط‭ ‬أجواء‭ ‬رمضانية‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬طابع‭ ‬التضامن،‭ ‬تحول‭ ‬العمل‭ ‬الخيري‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬لصراعات‭ ‬سياسية‭ ‬مكشوفة،‭ ‬تختلط‭ ‬فيها‭ ‬الدعاية‭ ‬الانتخابية‭ ‬بمعاناة‭ ‬الفئات‭ ‬الهشة‭. ‬الحدث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معزولا‭ ‬عن‭ ‬سياقه‭ ‬الزمني،‭ ‬فمع‭ ‬اقتراب‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬الانتخابية‭ ‬الجماعية،‭ ‬تتنافس‭ ‬أحزاب‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬صورتها‭ ‬عبر‭ ‬مبادرات‭ ‬‮«‬تضامنية‭.‬‮»‬‭ ‬
‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬للشاحنة‭ ‬التي‭ ‬أخفت‭ ‬لوحة‭ ‬ترقيمها‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬تورط‭ ‬محتمل‭ ‬لجهات‭ ‬رسمية‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬ينظم‭ ‬العمل‭ ‬الخيري‭. ‬
هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭ ‬وقت‭ ‬غير‭ ‬وجيز‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬القانون‭ ‬المنظم‭ ‬للعمل‭ ‬الخيري‭ ‬في‭ ‬دجنبر‭ ‬2022،‭ ‬الذي‭ ‬يلزم‭ ‬الجهات‭ ‬الخيرية‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬ترخيص‭ ‬مسبق،‭ ‬ويحظر‭ ‬استخدام‭ ‬التبرعات‭ ‬لأغراض‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬تجارية‭ ‬تحت‭ ‬طائلة‭ ‬غرامات‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬خمسمائة‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭. ‬
لكن‭ ‬الواقع‭ ‬يظهر‭ ‬أن‭ ‬الأحزاب‭ ‬تتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬الضوابط‭ ‬بسهولة،‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الرقابة‭ ‬الفعالة،‭ ‬ففي‭ ‬مدينة‭ ‬الجديدة‭ ‬أطلق‭ ‬حزب‭ ‬آخر‭ ‬شريك‭ ‬في‭ ‬الائتلاف‭ ‬الحكومي‭ ‬مبادرة‭ ‬القفة‭ ‬الرمضانية‭ ‬بهدف‭ ‬توزيع‭ ‬ألف‭ ‬قفة‭ ‬غذائية،‭ ‬لكن‭ ‬الحملة‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬نصف‭ ‬التبرعات‭ ‬المطلوبة،‭ ‬مما‭ ‬اضطر‭ ‬القائمين‭ ‬عليها‭ ‬لإطلاق‭ ‬نداء‭ ‬استغاثة‭ ‬عبر‭ ‬فيسبوك‭…‬
في‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬رسمي‭ ‬على‭ ‬فضيحة‭ ‬تيوغزة،‭ ‬بعث‭ ‬عامل‭ ‬إقليم‭ ‬سيدي‭ ‬إفني‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬رؤساء‭ ‬الجماعات‭ ‬يحذرهم‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬آليات‭ ‬الجماعات‭ ‬مثل‭ ‬الشاحنات‭ ‬لأغراض‭ ‬سياسية،‭ ‬مستشهدا‭ ‬بالمواد‭ ‬المعنية‭ ‬بهذا‭ ‬الأمر‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬تحظر‭ ‬استغلال‭ ‬ممتلكات‭ ‬الجماعة‭ ‬لمصالح‭ ‬خاصة،‭ ‬لكن‭ ‬الرسالة‭ ‬اكتفت‭ ‬بالتنبيه‭ ‬دون‭ ‬إجراءات‭ ‬رادعة،‭ ‬مما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬إشكالية‭ ‬تقاعس‭ ‬السلطات‭ ‬عن‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬سوابق‭ ‬مأساوية،‭ ‬مثل‭ ‬حادثة‭ ‬الصويرة‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬التي‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬امرأة‭ ‬خلال‭ ‬تدافع‭ ‬أثناء‭ ‬توزيع‭ ‬مساعدات،‭ ‬دفعت‭ ‬المشرع‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬إصدار‭ ‬قانون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الدرس‭ ‬لم‭ ‬يستفد‭ ‬منه،‭ ‬فالمشكل‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬التشريعات‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬تفعيلها‭.‬
‭ ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬فقدان‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مبادرة‭ ‬خيرية‭ ‬واقعا،‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬نزيهة،‭ ‬فالمواطن‭ ‬اليوم‭ ‬يشك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شاحنة‭ ‬محملة‭ ‬بالمساعدات‭ ‬ويتساءل‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬تبرعات‭ ‬أم‭ ‬رشاوى‭ ‬انتخابية،‭ ‬فتحت‭ ‬غطاء‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬وترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬التطوع،‭ ‬تتحول‭ ‬المساعدات‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬لتلميع‭ ‬صورة‭ ‬الأحزاب‭ ‬الحكومية،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬وضع‭ ‬آليات‭ ‬للشفافية‭ ‬مثل‭ ‬إلزام‭ ‬الجمعيات‭ ‬بإيداع‭ ‬التبرعات‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬بنكية‭ ‬وإعلان‭ ‬هويات‭ ‬المستفيدين،‭ ‬لكن‭ ‬الأحزاب‭ ‬تتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬بذرائع‭ ‬الخصوصية‭ ‬أو‭ ‬السرية،‭ ‬فيما‭ ‬تستمر‭ ‬معاناة‭ ‬المواطن‭ ‬اليومية‭ ‬بين‭ ‬غلاء‭ ‬المعيشة‭ ‬والبطالة‭ ‬وانعدام‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭. ‬
‭ ‬وقد‭ ‬تداول‭ ‬مجلس‭ ‬الحكومة،‭ ‬في‭ ‬اجتماعه‭ ‬ليوم‭ ‬6‭ ‬مارس‭ ‬الجاري،‭ ‬وصادق‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬المرسوم‭ ‬رقم‭ ‬2‭.‬25‭.‬152‭ ‬بتطبيق‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬18‭.‬18‭ ‬القاضي‭ ‬بتنظيم‭ ‬عمليات‭ ‬جمع‭ ‬التبرعات‭ ‬من‭ ‬العموم‭ ‬وتوزيع‭ ‬المساعدات‭ ‬لأغراض‭ ‬خيرية،‭ ‬قدمه‭ ‬عبد‭ ‬الوافي‭ ‬لفتيت،‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭.‬
وحسب‭ ‬بلاغ‭ ‬للحكومة،‭ ‬تم‭ ‬تعميمه‭ ‬على‭ ‬الصحافة،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تفعيل‭ ‬مقتضيات‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬18‭.‬18‭ ‬المتعلق‭ ‬بتنظيم‭ ‬عمليات‭ ‬جمع‭ ‬التبرعات‭ ‬من‭ ‬العموم‭ ‬وتوزيع‭ ‬المساعدات‭ ‬لأغراض‭ ‬خيرية،‭ ‬الصادر‭ ‬بتنفيذه‭ ‬الظهير‭ ‬الشريف‭ ‬رقم‭ ‬1‭.‬22‭.‬79‭ ‬بتاريخ‭ ‬18‭ ‬جمادى‭ ‬الأولى‭ ‬1444‭ ‬‮(‬13‭ ‬ديسمبر‭ ‬2022‮).‬‭ ‬
‭ ‬وهو‭ ‬قانون‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية،‭ ‬وتنفيذه‭ ‬معها‭.‬

 


الكاتب : ‭ ‬جلال‭ ‬كندالي‭ ‬

  

بتاريخ : 15/03/2025