رفض الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، الإجابة عن أسئلة الصحفيين بشأن القضية التي طَرحتْها صور شاحنة جماعة تيوغزة بإقليم سيدي إفني، وهي تفرغ مساعدات خيرية أمام منزل أسرة أحد الوزراء .
الناطق الرسمي باسم الحكومة اكتفى بالقول إن «القضايا ذات الطابع السياسي ستجد الفضاء الأمثل للتفاعل معها»، في إشارة غامضة فهمها الصحافيون بأنها« هروب من الجواب» ورأت صفحات التواصل الاجتماعي أنها تغذي «شكوك المواطنين حول استغلال العمل الخيري لتمرير أجندات حزبية».
تزامن الحدث مع اتهامات لنشطاء محليين بأن المؤسسة «المعنية بالشاحنة وحمولتها» تستخدم لتوظيف المساعدات الإنسانية لخدمة أغراض سياسية» .
ولم تسهم التصريحات المتناقضة لرئيس جماعة يوغزة في تبديد الغموض؛ فقد بدأ بنفي أي علاقة للجماعة بالمؤسسة، قبل أن يتراجع ويصف الأمر بـ»مهمة خاصة»، دون إفصاح عن طبيعتها.
كما أثارت صور تظهر لوحة ترقيم الشاحنة مُغطاةً تساؤلات عن سبب إخفاء هويتها، في خطوة وصفت بـ»المشبوهة» والمخالفة للقانون.
وسط أجواء رمضانية يغلب عليها طابع التضامن، تحول العمل الخيري إلى ساحة لصراعات سياسية مكشوفة، تختلط فيها الدعاية الانتخابية بمعاناة الفئات الهشة. الحدث لم يكن معزولا عن سياقه الزمني، فمع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الجماعية، تتنافس أحزاب الحكومة على تعزيز صورتها عبر مبادرات «تضامنية.»
الصور التي انتشرت للشاحنة التي أخفت لوحة ترقيمها كشفت عن تورط محتمل لجهات رسمية في انتهاك القانون الذي ينظم العمل الخيري.
هذه الأحداث تأتي بعد وقت غير وجيز على إصدار القانون المنظم للعمل الخيري في دجنبر 2022، الذي يلزم الجهات الخيرية بالحصول على ترخيص مسبق، ويحظر استخدام التبرعات لأغراض سياسية أو تجارية تحت طائلة غرامات تصل إلى خمسمائة ألف درهم.
لكن الواقع يظهر أن الأحزاب تتجاوز هذه الضوابط بسهولة، مستفيدة من غياب الرقابة الفعالة، ففي مدينة الجديدة أطلق حزب آخر شريك في الائتلاف الحكومي مبادرة القفة الرمضانية بهدف توزيع ألف قفة غذائية، لكن الحملة فشلت في جمع نصف التبرعات المطلوبة، مما اضطر القائمين عليها لإطلاق نداء استغاثة عبر فيسبوك…
في رد فعل رسمي على فضيحة تيوغزة، بعث عامل إقليم سيدي إفني رسالة إلى رؤساء الجماعات يحذرهم من استخدام آليات الجماعات مثل الشاحنات لأغراض سياسية، مستشهدا بالمواد المعنية بهذا الأمر ، التي تحظر استغلال ممتلكات الجماعة لمصالح خاصة، لكن الرسالة اكتفت بالتنبيه دون إجراءات رادعة، مما يكشف عن إشكالية تقاعس السلطات عن تطبيق القانون رغم وجود سوابق مأساوية، مثل حادثة الصويرة قبل خمس سنوات، التي راح ضحيتها خمس عشرة امرأة خلال تدافع أثناء توزيع مساعدات، دفعت المشرع إلى تسريع إصدار قانون في هذا المجال، لكن يبدو أن الدرس لم يستفد منه، فالمشكل لم يكن في غياب التشريعات بل في عدم تفعيلها.
لقد أصبح فقدان الثقة في أي مبادرة خيرية واقعا، حتى تلك التي قد تكون نزيهة، فالمواطن اليوم يشك في كل شاحنة محملة بالمساعدات ويتساءل إن كانت تبرعات أم رشاوى انتخابية، فتحت غطاء التنمية المستدامة وترسيخ قيم التطوع، تتحول المساعدات إلى أداة لتلميع صورة الأحزاب الحكومية، رغم أن القانون وضع آليات للشفافية مثل إلزام الجمعيات بإيداع التبرعات في حسابات بنكية وإعلان هويات المستفيدين، لكن الأحزاب تتجاوز هذه الإجراءات بذرائع الخصوصية أو السرية، فيما تستمر معاناة المواطن اليومية بين غلاء المعيشة والبطالة وانعدام الخدمات الأساسية.
وقد تداول مجلس الحكومة، في اجتماعه ليوم 6 مارس الجاري، وصادق على مشروع المرسوم رقم 2.25.152 بتطبيق القانون رقم 18.18 القاضي بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، قدمه عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية.
وحسب بلاغ للحكومة، تم تعميمه على الصحافة، فإن هذا المشروع يهدف إلى تفعيل مقتضيات القانون رقم 18.18 المتعلق بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.22.79 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1444 (13 ديسمبر 2022).
وهو قانون صدر في عهد الحكومة الحالية، وتنفيذه معها.