«دور الأم في بناء شخصية الفرد والمجتمع»، كان هو موضوع ندوة نظمتها «جمعية أنير للتنمية النسوية والتكافل الاجتماعي» بخنيفرة، بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة، يوم السبت ثامن مارس 2025، وذلك بمشاركة رئيسة «جمعية رفيق لذوي اضطراب التوحد»، الأخصائية النفسية الإكلينيكية، ذة. نهيلة دودو، والدكتور الباحث في التشريع الأسري، ذ. خالد حجيرات، والعضو بالمجلس العلمي المحلي، ذة. مونة ابلقاس، فيما شهد اللقاء حضورا نوعيا مميزا، ونقاشا مثمرا من خلال تفاعل لافت مع مداخلات المشاركين التي توزعت على مختلف الزوايا والمقاربات، الحقوقية منها والنفسية والدينية والقانونية والاجتماعية.
الندوة التي جرى احتضانها برحاب «المركز الثقافي أبو القاسم الزياني» بخنيفرة وبشراكة معه، تم افتتاحها من طرف رئيسة الجمعية المنظمة، «جمعية أنير للتنمية النسوية والتكافل الاجتماعي»، ذة. فتيحة حروش، التي وضعت الحضور في سياق اختيار موضوع الندوة: «دور الأم في بناء شخصية الفرد والمجتمع»، وهو تنزيل مشروع «التحالف – خنيفرة» الذي يشتغل على الإدماج الاجتماعي للأمهات الوحيدات وأطفالهن، ومواكبة المستجدات على مستوى ورش إصلاح مدونة الأسرة، وكذا الخطة الحكومية الثالثة للمساواة إكرام 2023- 2026، التي تهدف إلى تشخيص وضعية الأطفال ورصد من هم في حاجة للحماية.
من جهتها، شاركت رئيسة «جمعية رفيق لذوي اضطراب التوحد»، الأخصائية النفسية، ذة. نهيلة دودو، بموضوع «الأم والبناء النفسي للطفل»، مبرزة بجلاء الدور المحوري للأم في تشكيل شخصية الطفل منذ سنواته الأولى، ومستعرضة أسس بناء علاقة صحية بين الأم وطفلها، فيما أكدت بالتالي على أهمية الدعم النفسي والاجتماعي لضمان توازن نفسي سليم لكليهما، دون أن يفوت المتدخلة التطرق إلى التعريف بجمعية «رفيق» ودورها في مواكبة الأطفال ذوي اضطراب التوحد، وما توفره من خدمات في هذا الإطار، حيث شددت على أهمية دعم الأمهات في عملية دمج أطفالهن داخل المجتمع.
وتوقفت المتدخلة ذة. دودو بالإشارة إلى الاضطرابات النفسية التي قد تعاني منها الأم خلال فترة الحمل والولادة، وتأثيرها المحتمل على علاقتها بطفلها، مع التأكيد على أهمية التدخل النفسي والاجتماعي لمساعدتها، حيث استندت المتدخلة إلى المقاربة النفسية التي تمنح الأم دورا جوهريا في تكوين شخصية الطفل، خاصة في مراحله الأولى، ذلك عبر الاستدلال بنظرية النمو النفسي الاجتماعي لعالم النفس، إريك إريكسون، التي تشير إلى «أن ثقة الطفل بنفسه واستقلاليته وتكوين شخصيته النفسية والاجتماعية تتشكل من خلال علاقته الأولية بأمه»، والتي تعد النموذج الأول الذي يتعلم منه كيفية التفاعل والتواصل مع الآخرين.
وبدوره، وقف ذ. خالد احجيرات، عند أهم المحطات التي تعتبر الأسرة نواة المجتمع، والدور الأساسي والمحوري الذي تلعبه الأم في تكوين شخصية الفرد وتنشئته، وإعداده لبناء مجتمع متماسك وقوي، حيث أبرز ذ. حجيرات مكانة الأم وأهمية تمكينها قانونيا واجتماعيا لأداء رسالتها في الأسرة والمجتمع، متناولا الموضوع من خلال محورين أساسيين: المركز القانوني للمرأة داخل الأسرة، ومسؤوليات الأم في الوفاء بحقوق الأسرة، انطلاقا من بعض مواد مدونة الأسرة التي تهم المرأة، ومن أبرزها مفهوم القوامة، الذي يهدف إلى تنظيم رئاسة الأسرة، لكنه قد يكون أحيانًا موضوعا لسوء الفهم وسوء الاستعمال من قبل بعض الأزواج.
وبصفته باحث في التشريع الأسري، تناول ذ. خالد احجيرات، ضمن تفاصيل مداخلته، شروط الزواج التي تفرض كمال الأهلية نظرا للمسؤوليات المترتبة عليه، والإشارة إلى حالات منع التعدد إذا خيف عدم العدل، حفاظًا على حقوق الزوجة وحمايتها من أي ضرر محتمل، فيما استعرض مسألة الشروط التعاقدية في عقد الزواج، وأهمية تضمينها لضمان حقوق الطرفين، بالإضافة إلى الأحكام المتعلقة بحماية الزوجة من الطرد من بيت الزوجية أو منعها من دخوله، ولم يفت المتدخل التطرق أيضا إلى الحماية الجنائية للمرأة، من خلال تجريم إهمال الأسرة وتجريم كافة أشكال العنف التي قد تتعرض لها. ذلك قبل تطرقه لمسؤوليات الأم في الوفاء بحقوق الأسرة، معتمدا على قراءة في المادة 54 من مدونة الأسرة التي تحدد حقوق الأولاد على أبويهم، والتي تشمل حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى بلوغ سن الرشد، وتثبيت هويتهم، وضمان حقوقهم في النسب والحضانة والنفقة، كما تطرق إلى ضرورة تجريم فعل إهمال الأسرة لما له من تداعيات خطيرة على الطفل، ليؤكد المتدخل على أهمية توفير التدابير اللازمة لضمان النمو الطبيعي للأطفال، بالإضافة إلى توجيههم دينيا وتربويا، مع التأكيد على التربية السليمة البعيدة عن العنف والإضرار بالطفل، بما يحقق توازنًا داخل الأسرة ويساهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك.
أما عضو المجلس العلمي المحلي، ذة. مونة ابلقاس، فاختارت المشاركة بورقة دينية حول أخلاق بر الوالدين، باعتبارها من أعظم الحقوق التي أوجبها الله تعالى على الإنسان، وقرن عبادته وتوحيده بالإحسان إليهما، في قوله: «واعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا»، وهذا الاقتران الإلهي يبرز المكانة السامية التي يحتلها الوالدان، ويؤكد أكثر على وجوب معاملتهما بالبر والرحمة، فيما ذكرت ذة. ابلقاس بمدح الله تعالى لأنبيائه ببرهم لآبائهم، فقال عن النبي يحيى: «وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا»، وقال عن النبي عيسى: «وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا»، وهذا ما اتخذته ذة. ابلقاس على أن بر الوالدين سمة من سمات الأخيار والسلف الصالح.
وتحدثت ذة. ابلقاس عن المرأة الأم، التي جعل الله برها أعظم ثوابا، وعقوقها أشد إثما، بالقول إن الأم تحمل وترضع وتسهر الليالي لترعى أبناءها، وتتحمل التضحيات الجسدية والعاطفية في سبيلهم، ولذلك، لا يستطيع الإنسان أن يوفيها حقها مهما فعل، وقد ورد عن أحد الرجال أنه حمل أمه على ظهره وطاف بها في مكة، ثم سأل الصحابي عبد الله بن عمر: «هل تراني قد وفيتها حقها؟»، فأجابه قائلاً: «لا والله، ولا بزفرة من زفراتها ولا بطلقة من طلقاتها»، كما أشارت المتدخلة لما أكده النبي محمد (ص) على أولوية بر الأم حين سأله أحد الصحابة: «من أحق الناس بحسن صحابتي؟»، فقال: «أمك»، ثم كررها ثلاث مرات قبل أن يذكر الأب، ما يدل على عظيم فضل الأم والبر لها.
واختُتم اللقاء بفتح باب النقاش أمام الحضور، حيث طُرحت عدة قضايا جوهرية، من أبرزها مؤسسة الزواج ودورها الأساسي في بناء مجتمع متماسك وسليم، مع التأكيد على أهمية العناية بالجانب النفسي للطفل لضمان نشأته بشخصية متوازنة، كما جرى تسليط الضوء على الدور المحوري للأئمة ورجال ونساء الدين في ترسيخ أسس الأسرة القائمة على المودة والرحمة، وفي أجواء من ثقافة الاعتراف بالعطاء، شهد اللقاء تكريم الفاعلة الجمعوية، ذة. حفيظة بوهناز، تقديرا لدورها البارز في مواكبة وتتبع الأمهات المستفيدات من مشروع «تحالف خنيفرة»، إلى جانب إسهاماتها الفعالة في تنفيذ برامج ومشاريع جمعية أنير، الهادفة إلى دعم وتمكين نساء الإقليم.
بأوراق مختلفة، نفسية، دينية، قانونية واجتماعية .. فاعلون يلتئمون في ندوة بخنيفرة لمناقشة دور الأم والأسرة في بناء شخصية الفرد والمجتمع

الكاتب : أحمد بيضي
بتاريخ : 17/03/2025