ضرورة القطع مع المقاربة الإحسانية والدولة مطالبة بأن تضطلع بمسؤولياتها
كاملة تجاه هذه الفئات
نظمت منظمة النساء الاتحاديات، مساء يوم أول أمس السبت، لقاء تناظريا عبر منصة «زووم» تناول موضوع «مقترحات تعديل مدونة الأسرة والأشخاص في وضعيات إعاقة»، وهو اللقاء الذي نشطت فقراته متدخلات ينتمين إلى الطيف الجمعوي ببلادنا أبرزهن سميرة بختي، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق النساء في وضعية إعاقة، فظمة أزوران عن الدينامية الجهوية للجندرة، وعائشة زكري، وغيرهن، وسيرت فقراته الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات حنان رحاب، وتم التركيز في هذه الندوة على الحيف الذي يتعرض له هؤلاء الأفراد في مختلف مناحي حياتهم، سواء من حيث القوانين أو المعايير الاجتماعية التي قد تُحرمهم من التمتع بحقوقهم الأساسية. ورغم أن المغرب يتبنى حقوق الإنسان كجزء من دستوره، إلا أن واقع الأشخاص في وضعية إعاقة يظل بعيدا عن المساواة التي نص عليها الدستور، مما يجعل من الضروري الترافع المستمر لتعديل الوضع القائم.
كما أكد المشاركون في الندوة أن الإعاقة ليست دونية بل هي اختلاف في القدرات، وهذا المفهوم يعتبر أساسيا لتغيير العقلية المجتمعية تجاه الأشخاص في وضعية إعاقة، ومن أبرز القضايا التي تم التطرق إليها كانت مسألة الإرث، حيث يتم في بعض الأسر الحجر على حق الشخص في وضعية إعاقة في الحصول على نصيبه من الإرث، رغم أنه من حقه تماما. هذه الظاهرة تبرز حاجة ملحة لمعالجة هذه المسألة في المدونة، لضمان حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة وحمايتهم من أي استغلال أو تعسف.
كما طُرح بقوة موضوع التمييز الذي تتعرض له النساء في وضعية إعاقة، إذ يعانين من وصاية زائدة أو «حماية» غير مبررة، مما يُفقدهن حقهن في اتخاذ قراراتهن الشخصية، مثل الحق في اختيار شريك الحياة أو حتى الحق في اختيار ملابسهن وألوانها، حيث يتم فرض وصاية عليهن بحجة «الحماية»، مما يؤدي إلى قمع حقوقهن الشخصية والمادية، بل ويؤدي في بعض الأحيان إلى الاستيلاء على حقوقهن الاقتصادية. ودعا المتدخلون إلى ضرورة أن تتمتع النساء في وضعية إعاقة بنفس الحقوق التي يتمتع بها غيرهن من النساء، دون النظر إلى إعاقتهن.
وفي ذات السياق أشارت حنان رحاب، رئيسة منظمة النساء الاتحاديات، إلى مشكلة الأمهات اللواتي يرعين طفلا في وضعية إعاقة، فالأم تناط بها مسؤولية حضانة هؤلاء الأطفال في حالة الطلاق، مع ما يفرزه هذا الوضع من مشاكل كثيرة تثقل كاهلها، كما تؤثر هذه الوضعية على الأطفال خصوصا هؤلاء الذي يعانون من التوحد، لأن العيش بعيدا عن البيئة التي اعتادوا عليها يزيد من تفاقم حالتهم الصحية والنفسية. لذلك، تم التأكيد على ضرورة بقاء الطفل الذي يعاني من التوحد في البيئة التي ألفها لكي لا يزداد وضعه سوءا.
أما في ما يتعلق بالنفقة، فقد أشار المشاركون إلى أن المبلغ الذي يتم تخصيصه للأطفال في وضعية إعاقة غالبا ما يكون غير كافٍ، خاصة مع ارتفاع تكاليف الرعاية الطبية والعلاجية. وبالتالي، فإن المحضون في وضعية إعاقة يحتاج إلى مبلغ نفقة معقول يعكس تكاليف العلاج والرعاية الطبية التي يتطلبها وكذا التعليم، فمبلغ النفقة الضئيل الذي يحصل عليه الطفل المحضون في وضعية إعاقة يضطر الأم إلى البحث عن عمل يضمن لها تغطية جميع المصاريف الخاصة به، ولكن ذلك يزيد من مشاكلها حيث تطالب بعض المؤسسات التعليمية بضرورة أن يكون هناك مرافق لهذا الطفل في غياب والدته، وهو ما يضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص ومجانية التعليم.
ولم يغفل المشاركون في الندوة موضوع الزواج بالنسبة للأشخاص في وضعية إعاقة، حيث شددوا على أن الزواج هو حق إنساني أساسي، وأن الشخص المعاق هو المسؤول مع شريكه عن هذا الزواج، وطالبوا بتضمين نوع الإعاقة في عقد الزواج كإجراء وقائي لتفادي أي استغلال مستقبلي في حال حدوث الطلاق، مع التأكيد على ضرورة أهليته مثله مثل باقي المقبلين على الزواج، كما أثاروا ما تعمد إليه بعض الأسر من تزويج شخص معاق فاقد للأهلية خصوصا في البوادي لامرأة لا تعلم ما ينتظرها من معاناة ومشاكل جراء ذلك .
أما في ما يتعلق بالتأمين، فقد تحدث المتدخلون عن رفض بعض شركات التأمين أو رفع الأسعار بشكل غير مبرر على الأشخاص في وضعية إعاقة. وهذا يُعد تمييزا يجب مقاومته، حيث ينبغي أن يتمتع هؤلاء الأشخاص بحقوق التأمين مثلهم مثل باقي المواطنين.
ورغم أن الدستور المغربي يضمن حقوق الجميع، إلا أن الواقع يعكس قصورا في تطبيق تلك الحقوق خاصة في مجالات التعليم والرعاية الصحية. حيث يواجه الأطفال في وضعية إعاقة صعوبة في الوصول إلى التعليم المناسب الذي يتناسب مع احتياجاتهم. وبالإضافة إلى ذلك، يعانون من نقص في المؤسسات التعليمية المخصصة التي تراعي احتياجاتهم النفسية والجسدية.
أيضا، تطرقت الندوة إلى أهمية توفير الرعاية الصحية المجانية للأشخاص في وضعية إعاقة، وهو ما يعتبر حقا أساسيا يجب أن يوفره النظام الصحي الوطني. التحديات التي يواجهها هؤلاء في الوصول إلى الرعاية الصحية، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف العلاج، تبرز الحاجة الملحة لإصلاح السياسات الصحية في هذا المجال والقطع مع الممارسات الإحسانية وضرورة اضطلاع الدولة بدورها كاملا وأساسيا للتكفل بهؤلاء الأشخاص من جميع النواحي، وألا تترك الجمعيات وحدها في الواجهة واعتبر المتدخلون أن المجتمع الذي لا يوفر الرفاه لجميع أفراده هو مجتمع قاصر.
كما كان من بين أبرز القضايا التي تم تناولها في الندوة هي مسألة الولوجيات، فعلى الرغم من أن المغرب وقع على قانون خاص بالولوجيات في عام 2003، إلا أن المؤسسات المختلفة لم تلتزم بتطبيق هذا القانون بشكل فعلي، كما أن هناك نقصا كبيرا في توفير التسهيلات التي تسمح للأشخاص في وضعية إعاقة بالولوج إلى الأماكن العامة والمؤسسات بسهولة.
في ختام الندوة، أكدت حنان رحاب أن موضوع الأشخاص في وضعيات إعاقة هو موضوع جديد لم يستوف حقه في النقاش داخل المنظمة مؤكدة مواصلة الترافع من أجل ضمان حقوق هؤلاء الأشخاص في المغرب، وتضمين المطالب الخاصة بهم في مذكرة المنظمة الخاصة بالمدونة، وأشارت إلى أن هذا الموضوع يجب أن يكون في صلب اهتمامات المجتمع، والأحزاب السياسية، والهيئات القانونية، باعتباره جزءا من الحقوق الإنسانية الأساسية. وحثت على ضرورة تضافر جهود الجمعيات، والمجتمع المدني، والدولة، لتوفير حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بشكل كامل. كما دعت إلى ضرورة أن تشمل سياسات الدولة كافة الفئات الاجتماعية، بما في ذلك الأشخاص في وضعية إعاقة، لضمان تكافؤ الفرص وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.