المقاول والقرار السياسي: المضاربات نموذجا!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com

طرح‭ ‬السؤال نفسه،‭ ‬بسيطا‭ ‬وهادئا،‭ ‬لكن‭ ‬قويا،‭ ‬ومقلقا‮:‬‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬هؤلاء‭ ‬معرفة‭ ‬رجال‭ ‬المضاربات‭ ‬وأعشاش اللوبيات‭ ‬وطريقة‭ ‬عملهم،‭ ‬فمن‭ ‬يستطيع‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬فعل‭ ‬ذلك؟
‮«‬هؤلاء‭ ‬‮«‬كان‭ ‬الزميل‭ ‬يقصد‭ ‬بهم‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬وفي‭ ‬أحزابها‭ ‬المستقوية‭ ‬بهم،‭ ‬والخبراء‭ ‬والكفاءات‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬تجميدهم‭ ‬في‭ ‬التشكيلة‭ ‬الأولى‭ ‬وفي‭ ‬التعديل‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق‮.‬‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬كل‭ ‬الذين‭ ‬اختلفنا‭ ‬في‭ ‬تسميتهم،‮ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬الاستقلال‭ .‬
‭ ‬بورجوازية‭ ‬كامبرادورية،‭ ‬تارة‭ ‬وتارات‭ ‬أخرى‭ ‬بورجوازية‭ ‬الدولة،‭ ‬نخبة‭ ‬المملكة‭ ‬حينًا‭ ‬ورأسمالية‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬رأسمالية‭ ‬التواطؤات‭ ‬أحيانا‭ ‬أخرى،‭ ‬لكنهم‭ ‬في‭ ‬التعريف‭ ‬المستحدث‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والإعلام‭ ‬والدراسات‭ ‬بخصوص‭ ‬موقع‭ ‬السلطة‭ ‬وطرق‭ ‬المال‭ ‬كأحد‭ ‬مفاتيح‭ ‬فهْم‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأخيرة.هم رجال المال والأعمال والكفاءات‮ .‬‭ ‬بحيث‭ ‬أن‭ ‬الاهتمام‭ ‬بسلوكهم‭ ‬عندما‭ ‬‮«‬‭ ‬يلجون‭ ‬السياسة‮»‬،‭ ‬صار‭ ‬ضروريا‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬آليات‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬بالمراهنة‭ ‬السياسية‭ ‬عليهم‮.‬
المقاولون‭ ‬ليس‭ ‬لهم‭ ‬تاريخ‭ ‬في‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي،‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الوطنية‭ ‬الأولى،‭ ‬كانوا‭ ‬يصنفون‭ ‬عادة‭ ‬من‭ ‬مجموعات‭ ‬الأسر‭ ‬المشتغلة‭ ‬بالتجارة‭ ‬‮..‬‭ ‬البرجوازية‭ ‬أو‭ ‬الفاعلين‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬‮..‬وتسمية‭ ‬مقاولون‭ ‬حديثة‭ ‬العهد‭ ‬هي‭ ‬ذاتها لعلها ارتبطت مع ميلاد‭ ‬كونفدرالية‭ ‬أرباب‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬التسعينيات ومع الأحزاب‭ ‬التي‮ ‬بدأت‭ ‬البحث‭ ‬عنهم‭ ‬للانتخابات‮ ( ‬كتاب‭ ‬سعيد‭ ‬الطنجاوي‭” ‬المقاولون‭ ‬المغاربة‭ ‬السلطة‭ ‬المجتمع‭ ‬والحداثة‭ “‬كان‭ ‬أول‭ ‬كتاب‭ ‬يخصص‭ ‬موضوعه‭ ‬للمقاولين‭ ‬في‭ ‬المغرب‮)‬‭.‬
‭ ‬وصرنا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬البرجوازي‭ ‬إلى‭ ‬المقاول‭ ‬‮.!‬
‭ ‬طوال‭ ‬تشكل‭ ‬الوطنية‭ ‬المغربية‭ ‬والدولة،‭ ‬وقبلها‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬الاستقلال،‭ ‬ظلت‭ ‬الصفة‭ ‬اللصيقة‭ ‬بالفاعلين‭ ‬الأثرياء،‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الوطن‭ ‬وفي‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي،‭ ‬ذات‭ ‬طبيعة‭ ‬متكتمة‮:‬‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬التعفف‮»‬‭ ‬حينا،‭ ‬وانحيازا‭ ‬إلى‭ ‬براغماتية‭ ‬حذرة‮«‬‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬القرار،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬آليات‭ ‬الوساطة‭ ‬السياسية‭ ‬المعروفة‭ ‬والمقننة‮..‬‭ ‬وتفاديا‭ ‬للقمع‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الأوقات‭ ‬الرصاصية‭ ‬من‭ ‬التهاب‭ ‬الجمر‭ ‬الوطني‭.‬
أولا،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المكتبات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬الرأسمال‭ ‬الوطني،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬تعلقه‭ ‬مع‭ ‬اللحظة‭ ‬المغربية‭ ‬الحالية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تحصل‭ ‬في‭ ‬تقنيات‭ ‬تدبير‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬خلالها‮.‬‭ ‬وتبين‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬بعضها‮(‬‭ ‬آخرها‭ ‬كتاب‭ ‬قيم‭ ‬للغاية‭ ‬بقلم‭ ‬إيرين‭ ‬بونوIrene Bono،‭ ‬العالمة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬تورينو،‭ ‬الصادر‭ ‬سنة‭ ‬2024‭ ‬حول‭ ‬أحمد‭ ‬بنكيران،‭ ‬المقاول‭ ‬والسياسي‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬التجربة‭ ‬حول‭ ‬الرأسمال‭ ‬الوطني‭ ‬والمقاولة‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬السياسية‭ ‬طوال‭ ‬مغرب‭ ‬الاستقلال‮..‬‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬حوالي‭ ‬550‭ ‬صفحة‮.‬‭ ‬
ففي‭ ‬تتبع‭ ‬آثار‭ ‬المقاولة‭ ‬والسياسة،‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يلي‮:‬
‮-‬الرجل‭ ‬الثري‭ ‬‮(‬المقاول‮)‬‭ ‬ممثل‭ ‬للرأسمالية‭ ‬المغربية‭ ‬أو‭ ‬الرأسمال‭ ‬المغربي‮.‬‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬هو‭ ‬بذاته‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يتطلب‭ ‬مجهودات‭ ‬لإصلاحه،‭ ‬وهي‭ ‬مجهودات‭ ‬مستمرة‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬الآن،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬صاحبه‭ ‬فاعلا‭ ‬خاصا‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬أو‭ ‬فاعلا‭ ‬مؤسساتيا‭ ‬عموميا‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬صنف‭ ‬المقاولين‮..‬‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نراهن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬إصلاح‭ ‬نفسه‭ ‬مناسبة‭ ‬لإصلاح‭ ‬مؤسسات‭ ‬البلاد،‮.‬‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نراهن‭ ‬بأنه‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬فعلا‭ ‬يتجاوب‭ ‬مع‭ ‬مطالبه‭ ‬وبالتالي‭ ‬يجتهد‭ ‬في‭ ‬تقديره‭ ‬وتعميمه‮.‬‭ ‬
السؤال‮:‬‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬استطاع‭ ‬بالفعل‭ ‬أن‭ ‬يخلق‭ ‬هذا‭ ‬الأفق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬فلسفة‭ ‬وجوده‭ ‬مثل مجال المضاربات‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬تضارب‭ ‬المصالح؟
ـ‭ ‬الرأسمال‭ ‬المغربي‭ ‬له‭ ‬نظرة‭ ‬مزدوجة‭ ‬إلى‭ ‬الوطن،‭ ‬فهو‭ ‬الجسم‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فهذا‭ ‬الأخير‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬أصل‭ ‬الثروة‭ ‬ومصدر‭ ‬إنتاجها،‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭ ‬الجسد‭ ‬الذي‭ ‬يستهلك‭ ‬الثروة‭ ‬ذاتها‮…‬‭ ‬الملاحظة‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬حولها‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الإجماع‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬المذكورة،‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تعدد‭ ‬وتنوع‭ ‬أشكال‭ ‬الاقتناء‭ ‬لم‭ ‬تسر‭ ‬متوازية‭ ‬مع‭ ‬تعدد‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬التوزيع‮»..‬‭ ‬وبالتالي‭ ‬فلحد‭ ‬الساعة‭ ‬لم‭ ‬نشهد‭ ‬مساهمة‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الطابع‭ ‬الموسوم‭ ‬بعدم‭ ‬المساواة‭ ‬واللاعدالة‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الوطنية‮..‬
ـ‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي‭ ‬النشيط،‭ ‬المرتبط‭ ‬بالأشخاص،‭ ‬ظل‭ ‬محصورا‮.‬‭ ‬ولا‭ ‬يتعدى‭ ‬لائحة‭ ‬معينة.والحال‭ ‬أن‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بالمقاول‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بواسطة‭ ‬مجموعات‭ ‬الضغط‮..(‬‭ ‬اللوبيات‮)‬‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف،‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬المعترك‭ ‬السياسي‭ ‬مباشرة‮.«‬‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬ينخرط‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬الحزبية‮»..‬‭ ‬وذلك‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬‮«‬كفاءاته‭ ‬المفترضة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬نشاطه‭ ‬المقاولاتي،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تستفيد‭ ‬منها‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‮»!‬
ولعل‭ ‬بعض‭ ‬المؤلفات‭ ‬عالجت‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬منعطف‭ ‬إديولوجي‭ ‬شامل‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬المقاولين‭ ‬ورجال‭ ‬الأعمال‭ ‬عنصرا‭ ‬ونقطة‭ ‬إيجابية‭ ‬ونقطة‭ ‬قوة‭ ‬وفئة‭ ‬اجتماعية‭ ‬تنقل‭ ‬جدارتها‭ ‬في‭ ‬الحكامة‭ ‬باعتبارها‭ ‬نقطة‭ ‬أخلاقية‭ ‬إلى‭ ‬قطاعات‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وقد‭ ‬تابعنا‭ ‬حوار‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬مع‭ ‬الزميل‭ ‬البلهيسي‭ ‬حول‭ ‬هاته‭ ‬النقطة‭ ‬ومبرراته‭ ‬في‮ ‬تسويغ‭ ‬التعديل‭ ‬الحكومي‭ ‬الأخير‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬بها‮..‬
ـ‭ ‬قد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬بأن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬والمقاولة‭ ‬نضج‭ ‬وتغير‭ ‬عميق،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬استحضرنا‭ ‬العلاقة‭ ‬أيام‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬بعمليات‭ ‬التطهير‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬1995‭.‬
‭ ‬وقتها‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬وجوه‭ ‬الرأسمال‭ ‬الوطني،‭ ‬إدريس‭ ‬جطو،‭ ‬وزيرا‭ ‬للتجارة‭ ‬والصناعة‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬الفيلالي‭ ‬الثانية‮..‬‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬إدريس‭ ‬الآخر،‭ ‬البصري،‭ ‬عنوان‭ ‬القطيعة‭ ‬بين‭ ‬رجال‭ ‬المال‭ ‬والسلطة‮..‬
في‭ ‬عملية‭ ‬التطهير،‭ ‬وضع‭ ‬المرحوم‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬الوزراء،‭ ‬أمالو‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬آنذاك،‭ ‬والبصري‭ ‬والقباج‭ ‬وزير‭ ‬المالية،‭ ‬على‭ ‬علم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تملص‭ ‬الوزير‭ ‬الأول‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬الفيلالي‭ ‬من‭ ‬المسؤولية.بالمرض‮… ‬في‭ ‬اجتماع لهم‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬الدارالبيضاء‭ ‬فبراير‭ ‬1996‭ ‬ضم قرابة‭ ‬400‭ ‬رجل‭ ‬أعمال،‭ ‬تحدث‭ ‬إدريس‭ ‬البصري‭ ‬عن‭ ‬4500‭ ‬رجل‭ ‬أعمال‭ ‬ملفاتهم‭ ‬جاهزة‭ ‬للإحالة‭ ‬على‭ ‬القضاء‮..‬‭ ‬وبعدها‭ ‬سيعرف‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬صاحب‭ ‬القرار الأصلي‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‮..‬‭ ‬كما‭ ‬يتضح‭ ‬من‭ ‬شهادة‭ ‬أحمد‭ ‬بنكيران،‭ ‬الذي‭ ‬روى‭ ‬ما‭ ‬دار‭ ‬بين‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬ورجال‭ ‬الأعمال‭ ‬عند‭ ‬استقبال‭ “‬الباطرونا‭” ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬العرش،‭ ‬وقال‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬من‭ ‬بعد،‭ ‬‮«‬التطهير‭ ‬كان‭ ‬قراري‭ ‬أنا،‭ ‬لأنكم‭ ‬أصبحتم‭ ‬جد‭ ‬متعجرفين‮!:‬‭ ‬جعلناكم‭ ‬تربحون‭ ‬المال‭ ‬الوفير،‭ ‬ولا‭ ‬تكتفون‭ ‬بعدم‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬أنتم‭ ‬توجهون‭ ‬لنا‭ ‬الضربات‮»..‬‭ ‬وقتها‭ ‬كانت‭ ‬حملة‭ ‬بناء‭ ‬مسجد‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬تلقى معارضة‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬وتلكئهم‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يرافق‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أحاديث‭ ‬غاضبة‭ ‬في‭ ‬الصالونات‮.‬
هاته العجرفة،‮ ‬ألا تكون إحدى ميزات الرأسمال الحكومي‮ ‬اليوم‮. ‬يخفي‮ ‬في‮ ‬الوقت ذاته ضعفا مؤسساتيا إزاء لوبيات قوية تصنع وجوده السياسي‮ ‬نفسه؟
‮ ‬سننتظر ونجازف‭ ‬بالقول‭ ‬بأن‭ ‬الرأسمال‭ ‬الوطني‭ ‬المشارك‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬فلسفة‭ ‬النيوليبرالية‭ ‬كما‭ ‬بدأت‭ ‬تتكرس‭ ‬في‭ ‬بلادنا‮.‬‭ ‬مع‭ ‬التنبيه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النيوليبرالية‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬وجهها‭ ‬السافر‭ ‬بل‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تتلفع‭ ‬بالحكامة‭ ‬الجيدة‭ ‬وخلق‭ ‬التناسق‭ ‬بين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‮.‬‭ ‬وتشجيع‭ ‬التنافسية‭ ‬والكفاءة‭ ‬والنجاح‭ ‬المالي‭ ‬بالربح‭.. ‬إلخ‮..‬‭ ‬وهي‭ ‬تتقدم‭ ‬أيضا‭ ‬بعناوين‭ ‬مغرية،‭ ‬المانجمانت‮»‬‭ ‬والبينشمارك‭ ‬والاعتراف‭ ‬الدولي‭ ‬إلخ‮..‬‭ ‬بوسائل‭ ‬وآليات‭ ‬نيوليبرالية‭ ‬صارت‭ ‬مألوفة‮:‬‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬الوكالات‭ ‬المستقلة‮..‬‭ ‬عقود‭ ‬التفويت‭ ‬‮.‬إلخ‮.‬
‭ ‬ويتعزز‭ ‬هذا‭ ‬التواجد‭ ‬الذي‭ ‬يضمنه‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال،‭ ‬بوجود‭ ‬الفاعلين‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التشكيلات‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الخبراء‭ ‬‮(‬‭ “‬ماكنزي‭” ‬والاستقرار‭ ‬النهائي‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬القرارات‭ ‬‮)‬‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬البورجوازي‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الثقافي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬‮(‬‭ ‬ياسمين‭ ‬الفيلالي،‭ ‬نجاة‭ ‬مجيد،‭ ‬مريم‭ ‬بنجلون‮..)‬‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الإسلاميين،‭ ‬الذي‭ ‬‮«‬أطروا نظريا‮ » ‬نيوليبرالية‭ ‬حلال،‭ ‬عكس‭ ‬أحزاب‭ ‬الكتلة‭ ‬التي‭ ‬قاومت‭ ‬بسط‭ ‬شروط‭ ‬الممولين‭ ‬الدوليين‭ ‬مثلا‭ ‬‮)‬‭ ‬‮..‬‭ ‬
ـ‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬سبقوا،‮ ‬انضاف‭ ‬التقنوقراط‭ ‬‮ ‬من‭ ‬مهندسي‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمالية‮:‬‭ ‬وهم‭ ‬يعملون‭ ‬على‭ ‬انتقاد‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ ‬العمومية‭ ‬وممارسات‭ ‬الحكومات،‭ ‬والدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬ممارسات‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬السوق‭ ‬وتتلاءم‭ ‬مع‭ ‬المقاولة‮..‬هؤلاء‭ ‬حملة‭ ‬فن‭ ‬النيوليبرالية‭ ‬في‭ ‬الحكم‮..(‬أمثال‭ ‬حصاد‭ ‬وأحيزون‭ ‬‮)‬‭ ‬ومنهم‭ ‬مسؤولون‭ ‬كبار‭ ‬فاعلون‭ ‬خواص‭ ‬انخرطوا‭ ‬في‭ ‬الفعل‭ ‬العمومي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬دوائر‭ ‬السلطة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬الكبرى‭ ‬‮(‬‭ ‬سعد‭ ‬بنديدي‭ ‬وكريم‭ ‬زاز‭ ‬مثلا‭ ‬‮)‬‭ ‬‮ ‬ووصلوا إلى‭ ‬قلب‭ ‬الدولة‮..‬انضافت‭ ‬إليهم‭ ‬طبقة‭ ‬جديدة‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬مدرستي‭ ‬المحمدية‭ ‬والحسنية‮(‬‭ ‬نموذج‭ ‬أنس‭ ‬العلمي‭ ‬وربيع‭ ‬لخليع‭ ‬ومولاي‭ ‬حفيظ‭ ‬العلمي‭ ‬‮)‬‭ ‬‮..‬
إذن‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬السؤال‭ ‬الأول‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬المسألة‭ ‬بشكل‭ ‬معزول،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬التشبيك‭ ‬القوي‭ ‬والمتفاعلة‭ ‬عناصره‭ ‬بين‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬المناخ‭ ‬السياسي‭ ‬العام،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬‮«‬الجوار‭ ‬النيوليبرالي‮» ‬الذي‭ ‬أصبحت آراؤه مسألة‭ ‬مطلوبة‭ ‬وبل‭ ‬يتنافس‭ ‬فيها‭ ‬المتنافسون‮..‬
فقط‭ ‬أن‭ ‬المضاربات‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لهذه‭ ‬العقلانية‭ ‬في‭ ‬التدبير‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬الشكل‭ ‬المنفلت‭ ‬لسلطوية‭ ‬الفساد‭ ‬وقواعد‭ ‬اللعب،‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المنظومة‭ ‬المؤسساتية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬لتدبير‭ ‬شؤون‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع،‮ ‬هل أجبْتُ‮ ‬عن سؤال زميلي‮ ‬؟ الله والحكومة أعلم‮.!‬

 

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com - بتاريخ : 17/03/2025