مغرب المجاعات والاوبئة -15- الاوبئة تضرب الكثير من الأطباء والشخصيات السياسية 1\2

لازمت الأوبئة كظاهرة اجتماعية مرضية وضرورة حتمية واقتران استثنائي بتاريخ المغرب، فاختلفت طبيعة العدوى الوبائية، وتنوعت أعراضها ودرجة حدتها واتساع رقعة انتشارها ومخلفاتها البشرية، بسبب الجفاف المتواصل والجذب
الحاد والقحط الشديد.
فمنذ قرون عديدة، وكلمة “الوباء” أو “الطاعون” أو “الجائحة” تثير الرّعب في الناس، تقشعر لها الأبدان، وتضيق أمامها النفوس؛ لأنها، ببساطة، صارت في ذهنية المغاربة مرادفًا لفقدان الأهل وللخوف الرّهيب من الموت، إذ تكفي الإصابة به ليَعدّ المصاب نفسه ممن سيلتحقون بطوابير الموتى الملتحقين زمرا إلى العالم الأخروي. هذه النّظرية التي جاء العلم ليفندها ويثبت أنه يمكن التّشافي من الطاعون والعيش بعده طويلًا لنقل الحكايات عنه لمن لم يعرفوه أو يدركوه.
في هذه الحلقات نرصدبرفقتكم محطات من “اوبئة” ضربت بلاد المغرب، فخلفت ضحايا في الخلف من إنس وحيوان٠

لم يضرب الوباء والمجاعة الرعية فقط على عهد حكم سلاطين البلاد أو حكم المخزن ولكن ضرب أيضا جزء من منظومة الحكم ولم ينج من الوباء حتى الحكام والأطباء وبعض من الشخصيات الوطنية سواء على عهد الاستقلال أو الاستعمار ومن بينهم
يخصص الكاتب علي أخضار حيزا لممرضة فرنسية حمل المستشفى العسكري اسمها، من بين عشرات الممرضين والممرضات العاملين في هذا المرفق الصحي، خلال فترة الحماية الفرنسية.
عاشت ماري في فترة زمنية دقيقة واكبت تقريبا الحقبة الاستعمارية، كما عاشت الحرب العالمية الأولى ميدانيا. فقد رأت النور في 30 ماي 1864 بمدينة ريتيل الفرنسية، وبعد تخرجها أرسلتها وزارة الصحة الفرنسية إلى مدينة وهران الجزائرية، حيث عينت سنة 1907 ممرضة رئيسية بالمستشفى العسكري لهذه المدينة، بعد مقام لم يتجاوز السنة الواحدة انتقلت رفقة فريق من الممرضات إلى المغرب بقرار من المقيم العام ليوطي، كي تشرف على تأطير مجموعة من الممرضات في مستشفيات المغرب.
في منتصف شهر غشت من السنة نفسها، كانت ماري في طريقها نحو مدينة مكناس، حيث كان لها لقاء تكويني بالمستشفى العسكري للمدينة، وفي طريقها إلى العاصمة الإسماعيلية صادفت أثناء توقفها في مدينة تيفلت انتشار داء الكوليرا وكانت الحرارة جد مفرطة، فقررت أن تنخرط مع الطاقم الطبي للمدينة في حملة بالمنطقة والمداشر لمدة أسبوع على أن تستكمل طريقها في الفترة المسائية، لكنها تعرضت للوباء نفسه ولم تنفع تحذيرات زملائها الأطباء من التوقف عن عمل الإغاثة، إلى أن سقطت فتم حملها في سيارة إسعاف إلى جانب المرضى إلى مستشفى مكناس العسكري، وبعد ثلاثة أيام توفيت ماري وسط ذهول الجميع، وتحديدا في 27 غشت.
نقل جثمانها من الرباط إلى الدار البيضاء ثم إلى فرنسا، وتحديدا إلى مقبرة «مونبرناس»، بحضور الرئيس الفرنسي وكبار الشخصيات العسكرية والطبية الفرنسية، وتقرر أن يحمل اسم المستشفى العسكري للرباط اسمها «ماري فويي» والذي أصبح المغاربة يطلقون عليه اختصارا اسم «ماريفي»، كما حمل المستشفى العسكري لوهران اسم هذه الممرضة.
كما لم يكن حظ ليون بن زاكين، الطبيب المغربي اليهودي،احسن من ماري فويي وهو الأجدر بأن يعين وزيرا للصحة في أول حكومة بعد الاستقلال، نظرا لكفاءته الطبية، لكن ذلك لم يحصل إلا في التعديل الحكومي الذي مس الحكومة المغربية سنة 1956. ولد ليون في طنجة في آخر يوم من سنة 1928، وكان من مؤسسي الرابطة اليهودية، ويعد واحدا من أشهر الأطباء الذين عرفهم المغرب. وعندما حصل المغرب على الاستقلال، تم تعيينه وزيرا للبريد والمواصلات، ثم أصبح وزيرا للصحة، وهو المجال الذي يناسبه، واستمر فيه إلى حدود سنة 1958، كما شغل منصب طبيب للملك محمد الخامس، وقد كان من بين الأطباء المقربين للسلطان.
أصيب بن زاكين بمرض مفاجئ، فتم نقله إلى فرنسا لتلقي العلاج على يد أحد الأطباء اليهود في باريس، هناك تبينت إصابته بالتهاب رئوي تطور إلى حالة سل بسبب إدمانه على التدخين، وهو ما تطلب منه غيابا عن المشهد السياسي وعن اجتماعات حكومة البكاي، وحين علم الملك محمد الخامس بالأمر وهو في باريس، قرر عيادته، مما أدخل السرور على ليون، الذي كتب عن هذه الزيارة واعتبرها بلسما لمعاناته الصحية.
لكن حظ بن زاكين كان عاثرا، إذ إن وفاة محمد الخامس قد حالت دون بقائه ضمن التشكيلة الحكومية بداية الستينات، خصوصا وأن علاقاته الوطيدة مع بعض المنظمات اليهودية خارج المغرب وخارج إسرائيل أيضا، جعلته يختار مغادرة المغرب.. لأن الظروف السياسية التي مرت منها منطقة الشرق الأوسط، انعكست على الوجود اليهودي بالمغرب، ولم تعد ظاهرة استوزار اليهود في الوزارات والدواوين إلا في سنوات الثمانينات، وكان بن زاكين قد رحل عن الدنيا قبلها وتحديدا سنة 1977.
كان مستشفى بنقريش البناية الوحيدة الخاصة بالأمراض الصدرية في تطوان ويوجد مقرها بالجماعة القروية بنقريش، والآن أصبح هذا المرفق الطبي مجرد أطلال بالرغم من دوره التاريخي.
وحسب أحمد بن البشير الهسكوري، الذي عمل مستشارا للخليفة مولاي الحسن بن المهدي، والرجل الثاني داخل قصر الخليفة. وحسب شهادات أبناء الهسكوري في مجموعة من المنابر الإعلامية، فإن مستشفى بنقريش قد لعب دورا في دعم المقاومة الجزائرية، بل إن أحمد اضطر إلى تزوير وثائق لهوية هواري بومدين الذي سيصبح رئيسا للجزائر، وأدخله مستشفى بنقريش للعلاج من مرض السل، في فترة كان فيها هواري ضمن خلية المقاومين الجزائريين المتحصنين بالمنطقة الشرقية للمملكة.
ليس هواري وحده الذي كاد أن يسقطه السل، بل إن عددا من المقاومين عاشوا الوضع ذاته ووجدوا في هذا المستشفى ملاذا لهم، خاصة الذين كانوا يدخنون بشراهة، في زمن كان فيه بنقريش يعج بالمئات من الراهبات الإسبانيات اللواتي يعملن فيه كممرضات ومساعدات منذ تشييده سنة 1946، من طرف الحماية الإسبانية، حيث كانت تتوفر فيه كل التجهيزات الطبية، والأطر المتخصصة، والممرضات من المربيات الراهبات، وكان متنفسا لعلاج كل من ابتلي بمرض السل ومن جميع أنحاء المغرب.
تعرض المستشفى للكثير من الهزات والنكسات، بعد أن تحول إلى محجز للمشردين والمتسولين في إحدى المناسبات التي كان يخضع فيها مستشفى الرازي للأمراض العقلية للإصلاح والتجديد، بعد أن تم نقله إلى جناح بمستشفى الأمراض الصدرية.


الكاتب : إعداد مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 18/03/2025