نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث المتخصص في الانتروبولوجيا السياسية والبحث في شوون الدولة والاسلام السياسي، محمد الطوزي، وسلخ فيه، رفقة الباحثة اليزابيت هيبو ثلاثين سنة من البحث والتنقيب والتراكم.
وهو كتاب كل فصل فيه يشكل بنيانا قائم الذات، يسعى الباحثان من خلاله الى الدفاع عن اطروحة لم تكن بدهية حول الدولة، والبرهنة على تعايش الدولة ـ الامبراطورية والدولة ـ الأمة، بسجلَّيْهما المادي التاريخي و الروحي الرمزي، في راهن المغرب.
وهي عودة إرادية، لما لمسنا فيه من قدرة على تسليط الأضواء على فهم المسار الفيبيري (نسبة الى السيكولوجي الأمريكي ماكس فيبر) للدولة، وفهم الكثير من تحولاتها الراهنة.
وهوكتاب يمنح قارئه كما قد يمنح رجال السياسية في مراكز القرار والمناضلين أدوات التحليل الضرورية لفهم تحولات المغرب الحديث، وفهم الكثير من موضوعات الراهن السياسي والإعلامي المغربي (كما هو الحال في دستور 2011 وقدرة النخب السياسية والحاملين لمشاريع الليبرالية الجدد وتعالق شرعية الانتخاب مع شرعية التعيين في دولة تجمع سجلين ، واحد امبراطوري والاخر ينتمي الى الدولة ـ الأمة الي غير ذلك من المواضيع الراهنة).
في الواقع، لا يطرح عنف الإمبراطورية سؤال الشرعية ولأنه عنف لا يمارس باسم الطاعة أو باسم الدولة«بل يمارس جوابا على «جرائم» وعلى أفعال تعتبر غير مشروعة أو غير قانونية على غرار الأفعال المقترفة من طرف قطاع الطرق. أما المعارضة أو التمرد فيعتبران جزءا من «السير العادي» للنظام الإمبراطوري.. حيث إن أفعال التمرد ليست في حد ذاتها هي التي تطرح مشكلة وتفضي إلى استعمال العنف، بل طابعها المبالغ فيه. فلا وجود في الدولة الإمبراطورية لفكرة نظام عام منهجي وكامل البناء، ذلك لأن الدولة الإمبراطورية لا تهددها الإضرابات والاحتجاجات والتمردات عندما لا يكون العرش موضوع طمع وطموح!. وتوجد، بمعنى من المعاني، مستويات وطبقات للنظام كما هناك مستويات ودرجات للحكم: وهنا نجد أن قصص تمرد قبائل الجنوب في مواجهة طلبات السلطان أو التوقيع على اتفاقيات مع الأوروبيين، بالرغم من منعها من طرف السلطان الحسن الأول، تشهد بأن الاضطرابات الصغرى لا تستوجب العنف (كما يرد ذلك في مراسلات الحسن الأول)…
ففي الإمبراطورية الشريفة، ما وراء الطمع في العرش، تعتبر اضطرابات صغرى»، التجاوزات في الطرق وفي نقط العبور، وبنسبة أقل…عدم دفع الجبايات. وفي هذا، يبدو العنف شكلا أقصى في التفاوض. وتصف الكتابات التاريخية، بشكل متواتر، هاته النزاعات التي تعرف عنفا أقصى، بل قسوة حقيقية بين السلطة الشريفة وبعض القبائل أو المدن.. والتي تنتهي في غالب الأحيان بالعفو والعناية من طرف السلطان.. انظر في هذا الصدد ابن زيدان، وكذلك ما ورد بأسلوب مخالف في سردية المصور غابرييل فير الذي عاشر السلطان عبد العزيز) ولعل كلام السلطان مولاي عبد الرحمان إبان ثورة قبائل جيش لوداية في 1244 من الهجرة |(1828) نموذج في تبيان الطابع المترابط بين العنف والمفاوضات: «وقال لهم في جملة ما قال «الحمد لله إذ لم أغلبكم ولم تغلبوني لأني لو غلبتكم لذبحت هذه الجيوش أولادكم ولم أقدر أن أردها عنكم ولو غلبتموني لفعلتم كل ما تقدرون عليه فهذا من لطف الله بي وبكم»».
ما تقوله لنا هاته العبارات أن ممارسة العنف ليست مسألة أخلاق بل إحدى طرائق تقييم موازين القوة. فالتفاوض ـ مثله مثل التسوية أو التعددية أو الحيلة ـ ليس مناقضا للعنف، بل يتمفصل معه تمفصلا قويا.