على عتبة التسعين.. رحلة مع الشيخ عبد الرحمن الملحوني في دروب الحياة والثقافة والفن 16 التخريجة الكبرى والتخريجة الصغرى…

تعززت المكتبة الوطنية أواخر السنة الماضية بكتاب مهم يحمل عنوان « على عتبة التسعين، حوار مع الذات « للشيخ عبد الرحمن الملحوني.و فيه يغوص الكاتب الذي عُرف بغزارة عطائه خدمة لتوثيق الذاكرة الشعبية بمراكش و لأدب الملحون، في ما أثمرته ستون سنة من البحث و التنقيب فيما تختزنه الصدور من رصيد شفهي، و في ما توارى من مكنونات المخطوطات و الكنانش والتقييدات، التي لولا انتباهه السابق لزمانه، لكان مصيرها إلى الإتلاف. ليضع أمام الوعي الجمعي المغربي رأسمالا استثنائيا من الدرس و التدقيق في مكونات الثقافة الشعبية المغربية عامة، و الثقافة المراكشية خاصة. في هذه السلسلة نستعيد مع الشيخ عبد الرحمن الملحوني جوانب مما تضمنه هذا العمل، في جولة ساحرة تجمع بين ذاكرة الطفولة و تراكم العادات، و تقاطع الخطاب و فنون العيش في الحومات، إضافة إلى تطور سيرته العلمية في الزمان و المكان في احتكاك مع هواجسه المعرفية التي حركت أعماله.

 

 

– في الحلقة السابقة فصّلتم في بعض العوائد المرتبطة بالوظائف الرمزية للحياة والموت والزواج والعزوبية، وأذكر أنكم في كتابكم « على عتبة التسعين» قدمت توصيفا لعادات مرتبطة بتحصيل العلم و المعرفة…
–  منها عادة أكل قلب الهدهد. كانت بعض الأمهات المراكشيات، يعتقدن أن قلب «الهدهد» إذا أكله «المحضار» – وهو الطفل المتعلّم – ساعده على فتح بصيرته، ونمت به ذاكرته؛ ويُذبح الهدهد في بَهْو ضريح الشيخ أبي العباس وما بقي من عظام ولحم الهدهد، يُوزن نقدا أو ذهبا – عند الأغنياء -، وتمرا عند الفقراء، ويتصدق به على خدام ضريح السبتي في يوم الأربعاء صباحا.

– تحدثت أيضا عن « الفصادة «، ما المقصود بهذه الممارسة؟
– هي بالأساس عادة نسائية. هي نَوع ممَّا يُشبه «الشّْراطَة»، خاصة بالنساء، وتـُقام محافِلُها في فصل الربيع، حيث يخرج النساء أفواجا ويذهبن لدى «الشرَّاطة» بضريح للانجمة الكائن بحومة بنصالح؛ وهذه العادة أعطاها شاعر مراكش، الشيخ الجيلالي امثيرد عناية في شعره، ويعتبر أول من التفت إلى هذه العادة النسائية القديمة فوثقها في شعره «ينظر ديوان الشيخ الجيلالي امثيرد، منشورات الأكاديمية المغربية بالرباط». اارتبطت هذه العادة عند الأسَر المراكشية بعادة «النـّْزايَه» في عَرصات المدينة، حيث تتنوع هذه المحافل: فهناك «نزهة» العائلة بمناسبة يوم «الفصادة» ونزهة «أهل الملحون»، ونزهة «الصناع التقليديين»، ونزهة «أمناء الحِرف»، وغيرها مما خلَّده «ديوان الملحون» في مجموعة من القصائد، أبدَعَها فـُرسان الزَّجل على امتداد تاريخ هذا الشعر المغربي الأصيل، وتسمى هذه الأدبيات ب «الرّْبيعيات».
ثم هناك التـَّخريجـة الصُّغرى، وهي عادة في حظيرة الكتاتيب القرءانية بداخل الحومات، كان الطلبة (المحضرة) يَقـُومون بها؛ فكل تلميذ حَفِظَ حزبا من القرءان الكريم (وقيل خمسة أحزاب بالنسبة للأطفال الصغار، وبالنسبة للكبار اليافعين تُضاف إلى هذه الأحزاب ما يُسمَّى ب «القراءات السبع»… ) يقوم – بأمر من الفقيه – بتزويق لوحته، ويستدعى إلى بيت أسرته الفقيه وزملاؤه «المحضرة»، ويستظهر أمامهم ما قد حفظه من القرءان الكريم، وسط حفل بهيج، وقبل ذلك يتم غطاء اللوحة بخرقة بيضاء، ويجُول بها الأطفال عَبر المتاجر، والبيوت، وهم يرددون الأرجوزة التالية:
بيضَـــــة بيضــــة للهْ
بَـــاشْ نْزوَّق لـُوحْتِي
لـُوحْتِي عـَنـْدْ الطَّالَبْ
وَالطَّــــالبْ فَي الْجَنَّة
وَالـْجَـــنـَّــة محْلـُولـَة
ضَــــــامَــنْهَا مُولانـَا
مُــــولانَا، مُـــــولانـَا
لا تـَقْطَـــــــعْ رْجـَانـَا
ارْجَـــــانـَا، وَارْجَاكُمْ
فَـــــي شْفَاعَتْ مُحمَّد
مُحمَّدْ، وَاصْحَـــابُـــو
فَي الـْجَـــنـَّة يَتْصَابُو
هَذا الـــدَّارْ، دَارْ اللهْ
امَّالِيها عْبيدْ الله.
وتـُروى أبيات أخرى، سمعتُ منها الكثير، وأنا في كتاب السيد المختار مُومِن بحومَة درب ضباشي أيام زمان الطفولة.
أما التـَّـخـريجة الـكـُبرى، وتـُسمَّى (عرس القرءان)، فهي احتفال كبير، يتم على شرف الطالب الذي اكتملَ عنده حفظ (ستين حِزبا)، أو كما تقول العامَّة :»خرّج السّلكة»، وبالطريقة السابقة يتم الاحتفال، إلا أن هذه المناسبة نـَرى فيها المحتفل به من لوازم ظهوره أمامَ الناس، أن يلبس جلبابا وسلهاما، ويركب على حصان مهيأ بالمناسبة في موكب احتفالي عظيم، ومن ورائه جماعة من الطلبة يركبون على الحمير، وينشدون إنشادات في مَدح حافظ كتاب الله،والدعوة إلى العلم، واحترام المعلم ؛ وأثناء هذا الاحتفال يَزورون الشَّيخ أبَا العبَّاس السبتي، وبعضهم لَم يَكتفِ بهذه الزيارة، وإنما يزور الرجال السَّبعة، مرتبة التـَّرتيب المعهود، والمعروف بوسط أهل مراكش.


الكاتب : إعداد: عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 19/03/2025