واش حنا هوما حنا.. 16- «حكار» لمشاهب

هي مظاهر ومشاهد إما عشناها أو واكبنها كأحداث ، منها ما يدخل في إطار نوسطالجيا جمعتنا ومنها ما هو حديث مازلنا نعيشه ، في هذه السلسلة نحاول إعادة قراءة وصياغة كل ما ذكرنها من زاوية مختلفة ، غير المنظور الآني في حينه لتلك المظاهر والمشاهد والتي يطبعها في الكثير من الأحوال رد الفعل والأحكام المتسرعة ، وهي مناسبة أيضا للتذكير ببعض الجوانب من حياتنا ، وببعض الوقائع التي مرت علينا مرور الكرام بدون تمحيص قي ثناياها…

 

في المذكرات التي دونتها مع المرحوم سوسدي، حكى عن معاناة لمشاهب، وأيضا عن المتطفلين على المجال الفني وكيف يتعاملون بإساءة للفنان، تركت الحكي كما جاء على لسان سوسدي لأنه جد مؤثر.
في الوقت الذي ظل الإخوة في فرنسا، انكببت أنا وسي محمد باطما على إعداد عمل جديد، ونظرا لغياب الشريف والشاذلي، نادينا على الفنان نجوم وهو معروف خصوصا لدى جمهور الدارالبيضاء بأنه يعزف الآلة بواسطة أسنانه، كما ألحقنا بنا حليفي سعيد وهو عازف أيضا، وتعمدنا أن يكون عازفان حتى إذا تغيب أحد منهما يكون الآخر حاضرا، كما التحق بنا في ما بعد الفنان حمادي فأصدرنا شريطا يضم أغاني «الكرحة»، «صغي يا إنسان»، «مجنون هاد العالم» و «من حق المسكين» وهي لمحمد باطما تقول كلماتها:
من حق المسكين تقامت لقصارة
من حقو مسكين قمتو لقصارة
بدون ما يطيح الصمعة علقتوه
واش من سباب ليه اليوم نسيتوه
معكم ساعف الأعوام
عيشة زاد مرارة
ولا في يوم داك الدرويش نصفتوه
لأول مرة، سنشتغل بمقام الربع في الآلة، فمع الشريف لم نكن نستعمله، الشريط لقي صدى طيبا، ولأننا غبنا عن معانقة الجماهير لمدة أربع سنوات، قررنا أن نحيي الصلة معه من جديد خلال بعض السهرات·
من ضمن هذه السهرات، كان من المقرر أن نشارك في مهرجان السعيدية· فمعلوم أن هذا المهرجان يستقطب نجوم الفن المغاربة والمغاربيين، كما يستقطب جماهير غفيرة بالإضافة إلى وسائل الإعلام ·· سافرنا إلى السعيدية كما كان مبرمجا، التقينا المنظم، هذا الأخير لم يعرنا أي اهتمام ولم يتعامل معنا بما يجب، ففي الوقت الذي خصص فيه إقامة جيدة في أحد الفنادق لمختلف الفنانين المشاركين، تركنا نواجه مصيرنا، فتدخل أحد الأشخاص وذهب بنا للإقامة في «خزانة» توجد قرب «خزاين» أخرى، مخصصة لرجال المطافئ وعمال البلدية وبعض العاملين في هذا المهرجان، حز في أنفسنا هذا التعامل الذي لايليق بفنانين قطعوا آلاف الكيلومترات من أجل إمتاع الجمهور ·· كان من المقرر أن نشارك في حفلتين الأولى يوم الخميس والثانية يوم السبت، لم يكن لنا من المال ما يكفي لكي نأكل ونشرب – إني أتذكر هذا المهرجان بأسى كبير – نعم لم نكن نتوفر على ما يكفي من أموال حتى للأكل، فلولا الجمهور خاصة أبناء مدينة وجدة الذين رثوا لحالنا، لعدنا أدراجنا، فهؤلاء أمدونا بكل ما نحتاجه، كنا نأكل ونغتسل عندهم ·· في هذا المهرجان كانت ستشارك أيضا مجموعة ناس الغيوان، بحث عنا العربي رحمه الله لما لم يجدنا في الفندق، ولكنه لم يتمكن من ملاقاتنا، فحضر يوم الخميس إلى قاعة العرض لكي يحضر حفلنا، فالرجل كان يحب لمشاهب، ويعتبر نفسه أحد جمهورها، أتذكر لما صعدنا إلى الخشبة لم تتوقف دموعه، فلقد رآنا بدون باقي الإخوة، كما أن المنظم، بعد نهاية العرض، قدم إلينا العربي وعانقنا، واقترح علينا أن ننزل مع الغيوان في الغرف المخصصة لهم، أكثر من هذا اقترح أن يتدخل عند ذلك المنظم ليصلح خطأه، لكننا طلبنا من العربي أن يعدل عن ذلك، وطمأناه بأننا سنجيبه بطريقتنا، مرت حفلة يوم الخميس ومع ذلك رفض المنظم أن يمدنا بالتسبيق، الذي أمد به باقي الفنانين حتى من قبل أن يحضروا إلى مدينة السعيدية، لقد احتقرنا إلى درجة أننا أخذنا نشك في أنفسنا هل نحن لمشاهب أم شيء آخر، وهل هذا الرجل يعرفنا أم لا؟!


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 19/03/2025