اكتشافات أثرية في المغرب تعيد كتابة تاريخ الحياة وترسم خارطة جديدة لتطور البشر 17- من الصحراء إلى المختبر: رحلة العظام القديمة عبر الزمن

يعد المغرب واحدا من أغنى دول العالم بالمستحاثات، حيث تُخزّن أرضه تاريخا جيولوجيا يمتد لمئات الملايين من السنين، توثق تطور الحياة على كوكب الأرض.
فمن أعماق بحار العصر القديم إلى سهول العصر الطباشيري، ومن آثار الكائنات الدقيقة إلى حفريات الديناصورات، يقدم المغرب نافذة فريدة لاستكشاف العصور السحيقة.
تتميز التكوينات الجيولوجية المغربية بثرائها في أنواع مختلفة من الأحافير، بدءا من التريلوبيتات والأسماك المتحجرة التي تعود إلى العصر الأردوفيشي، وصولا إلى الزواحف البحرية والديناصورات الضخمة من العصر الطباشيري.
وقد كشف العلماء في مواقع مثل طاطا وأرفود وسفوح الأطلس عن حفريات لديناصورات نادرة، مثل “سبينوصور المغرب”، وهو أحد أكبر الديناصورات المفترسة المعروفة.
لكن الاكتشاف الأكثر إثارة كان في جبل إيغود، حيث تم العثور على أقدم بقايا للإنسان العاقل، مما أعاد رسم خارطة تطور البشر.
وتعد الصحراء المغربية مصدرا رئيسيا لمستحاثات بحرية فريدة، مثل الأمونيتات والأسماك المتحجرة، التي تحكي قصة المحيطات القديمة التي غمرت المنطقة.
وبينما يسهم المغرب بشكل بارز في الأبحاث الحفرية العالمية، تواجه هذه الثروة الطبيعية تحديات كبرى، مثل تهريب المستحاثات وغياب قوانين صارمة لحمايتها. ورغم ذلك، فإن استمرار الاكتشافات العلمية في البلاد يجعل من المغرب مختبرا طبيعيًا مفتوحا، يروي فصولا جديدة من قصة الحياة على الأرض.

 

رحلة اكتشاف الحفريات ليست مجرد عملية تنقيب عن بقايا كائنات منقرضة، بل هي رحلة عبر الزمن تبدأ من أعماق الصحراء وتنتهي في المختبرات المتطورة. في المغرب، حيث تتنوع البيئات الجيولوجية من الصحاري إلى السواحل، تتحول هذه الرحلة إلى قصة علمية مثيرة تكشف أسرار الحياة القديمة. من مواقع الاكتشاف في مناطق مثل أطلس الصغير وخريبكة والصويرة، حيث تُعتبر هذه المناطق من أغنى المواقع الأحفورية في العالم، تبدأ هذه الرحلة العلمية.
بعد اكتشاف الحفريات، يتم نقلها بعناية إلى المختبرات أو المتاحف لتخزينها ودراستها. تتطلب هذه العملية تقنيات خاصة لحفظ الحفريات من التلف، حيث تُستخدم مواد مثل الجبس لتثبيت الحفريات الكبيرة قبل نقلها. في المختبر، يتم تحليل الحفريات باستخدام تقنيات متطورة مثل التصوير ثلاثي الأبعاد والفحص المجهري الإلكتروني والتحليل النظائري، مما يساعد العلماء على تحديد عمر الحفريات وفهم بيئاتها الأصلية.
بعد التحليل، يتم إعادة بناء الحفريات رقميًا أو فعليًا باستخدام نماذج ثلاثية الأبعاد لفهم كيفية تفاعل هذه الكائنات مع بيئاتها القديمة. على سبيل المثال، كشفت دراسة استخدمت تقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد عن تفاصيل جديدة حول ديناصور “السبينوصور” في المغرب، مما ساعد على إعادة بناء معرفتنا حول طريقة عيش هذا الكائن. كما ساعدت إعادة بناء حفريات الزواحف البحرية في فهم كيف تكيفت هذه الكائنات مع الحياة في المحيطات القديمة.
لكن رغم هذه التقدمات، يواجه الباحثون تحديات عديدة، أبرزها نقص التمويل والمعدات الحديثة، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى بعض المواقع الجيولوجية. دعم البحث العلمي في هذا المجال، وفقًا لتقرير اليونسكو (2022)، قد يسهم في زيادة الاكتشافات ويسهم في فهم أعمق لتاريخ الأرض.
مع تزايد الاهتمام الدولي بالحفريات المغربية، تفتح الفرص لتسريع الاكتشافات العلمية. من خلال إنشاء مختبرات مجهزة بأحدث التقنيات والتعاون مع المؤسسات الدولية، يمكن للمغرب أن يصبح مركزًا عالميًا لدراسة الحفريات.
رحلة الحفريات من الصحراء إلى المختبر هي قصة علمية مثيرة تكشف أسرار الحياة القديمة. من خلال هذه الجهود، يمكننا التعلم من الماضي لتحسين فهمنا للحاضر والاستعداد للمستقبل.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 20/03/2025