مدار الأمر هنا تحديث البلاد دون هدم أسس أصالتها، أي ما يمنح الشعب الفخر والاعتزاز وفرح الحياة.
وقد رويت أني رأيت، خلال رحلتي صوب إفران، حفلات تبوريدة عجيبة فوق السهل المحاذي لوادي بهت، على مسافة مئات الكيلومترات من الرباط. وقيل لي إنها قبيلة كروان تحتفي بأحد المواسم: مئات من خيام الصوف الخشن نصبت فوق التلال المجاورة، داخلها نساء يحضرن الطعام بفرح، وهن يتابعن بعيونهن مواكب الفرسان الذين يلوحون ببنادقهم ويطلقون زخات البارود دون إرخاء عنان جيادهم.
إثارة الخيول التي تدور في مكانها قبل أن تعدو سراعا عند إعلان الانطلاق، لون السروج، رائحة البارود، تصفيقات الحشد، كل هذا الترفيه الشعبي يعطي الانطباع عن فلاحين يتحملون بكيفية أفضل المحصول الرديء لسنة 1961.
يقول الملك إن الفلاح المغربي الشاب بمجرد حصوله على بعض المداخيل، يقترض كي يشتري حصانا يولد امتلاكه الإحساس بأنه صار رجلا حقا وصوابا.
أتى الجفاف على نصف محصول الحبوب؛ فاضطر المغرب إلى استيراد القمح والشعير. وصار الفلاح يعيش متقشفا، كما اضطر لبيع بعض الأغنام. ومع ذلك، يحتفل بالموسم التقليدي.
ألغت الحكومة الترتيب، أي الضريبة على المحاصيل والمواشي. وقد أظهر هذا الإلغاء أن الماشية المغربية أوفر مما تفصح عنه الإحصائيات الرسمية المبنية على التصريحات الضريبية.
كان الوضع صعبا في البوادي، غير أنه لم يكن مأساويا بالقدر الذي تزعمه المعارضة.
وهذه الإشارة إلى المزاج السيء لنقابات الاتحاد المغربي للشغل وحزب اتحاد القوات الشعبية، التي اقتصرت على معارضة منهجية، جعلت النقاش ينصب على إيجابيات حرية الصحافة وسلبياتها.
وقد زعم وزير الإعلام أنه عثر على أفضل السبل بإبادة صحافة المعارضة: إبادتها بعدم قراءتها. أما خصوم الحكومة، فقد أكدوا أنهم أحسنوا بكيفية عميقة جراء قليل الاهتمام الذي يحظون به.
أما الحسن الثاني، فكان أقل وثوقية وأكثر دقة؛ فهو يعترف أن معدل سحب صحافة المعارضة أكبر من جميع أجهزة الأحزاب الحكومية، غير أن أغلبية الشعب لا تقرأ الجرائد. والعلاقة مع الشعب تتم عن طريق الشفوي، لا عن طريق الكتابي. وعليه، سيكون من اليسير مراقبة الجرائد مثلما كان عليه الأمر زمن الحماية، غير أن هذا سينزع صمام الأمان الذي تمثله صحافة المعارضة. والملك حريص على متابعة سياسة المغفور له محمد الخامس الذي أقر حرية الصحافة وحرية العمل النقابي. وليس من الموائم تأميم الجرائد الكبرى كما حدث في مصر وتونس. ويحرص الملك على أن يترك الانتقادات تعبر عن نفسها بحرية، ويرى أن المعارضة ستعترف بعد حين من الزمن بمنجزات الفريق الحكومي، ولسوف تتحدث الوقائع عن نفسها.