أصدرت محكمة الدار البيضاء للجنح بالجزائر أول أمس الخميس، حكما بالسجن خمس سنوات نافذة في حق الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال الموقوف منذ 16 نونبر 2024 بتهم عدة منها «المساس بوحدة الوطن».
وجاء في منطوق حكم القضية «حكمت المحكمة حضوريا ابتدائيا على صنصال بوعلام بالسجن النافذ 5 سنوات وغرامة مالية 500 ألف دينار جزائري»، أي حوالى 3500 يورو.
وكانت النيابة قد طالبت خلال المحاكمة التي جرت في 20 مارس الماضي بالسجن 10 سنوات وغرامة مليون دينار (700 يورو) بتهم «المساس بوحدة الوطن وإهانة هيئة نظامية والقيام بممارسات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني وحيازة فيديوهات ومنشورات تهدد الأمن والاستقرار الوطني» المنصوص عليها في قانون العقوبات.
وقد نفى الكاتب البالغ 80 سنة ، طيلة أطوار المحاكمة ، أي نية للإضرار ببلده، معتبرا أنه «مجرد تعبير عن الرأي، كما يفعل أي مواطن جزائري»، ومشيرا إلى «عدم إدراكه لما قد تحمله بعض عباراته من مساس بالمؤسسات الوطنية»..
ولا يخفى أن تساوق تاريخ اعتقال صنصال وحكم الإدانة الصادر في حقه، يأتي بعد تصريحات صنصال لقناة فرنسية خلال برنامج Frontières حول أحقية المغرب في صحرائه الشرقية التي ضمتها فرنسا للجزائر في فترة الاستعمار، بالإضافة إلى اعتراف فرنسا الرسمي بدعم سيادة المغرب على صحرائه، وما ترتب عن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة للمغرب. يجعل كل هذه المؤشرات تجعل اعتقاله وإدانته لأسباب ودوافع سياسية بحتة، خاصة وأنها جاءت في خضم أزمة دبلوماسية تسبب بها إعلان باريس الصيف الماضي تأييدها تطبيق الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، ما دفع الجزائر إلى سحب سفيرها من فرنسا.
ولا يخفى على المتتبع للعلاقة بين السلطات الجزائرية والمثقفين والنشطاء الحقوقيين والصحفيين، أن اعتقال بوعلام صنصال يأتي في سياق هذه العلاقة المتوترة ،خاصة في السنوات الأخيرة، حيث يواجه العديد منهم مضايقات بسبب آرائهم النقدية ، ومنه يفهم أن تصريحات صنصال الأخيرة للقناة الفرنسية بأن مدنا مثل تلمسان ووهران وبسكرة كانت، تاريخيا ، جزءا من المملكة المغربية قبل أن تقوم فرنسا بضمها إلى الجزائر.
يشار إلى أنه قبل يومين من الحكم، نظم وزراء وسياسيون في باريس، وقفة للضغط من أجل المطالبة بإطلاق سراح صنصال، تصدّرها وزير الداخلية الذي توعد من جديد باتخاذ إجراءات عقابية ضد الجزائر.
كما سبق أن كشف الرئيس الفرنسي ماكرون أنه تبادل عدة رسائل مع نظيره الجزائري حول هذه القضية، مؤكدًا أنه لن يخلط مصير صنصال مع بقية الملفات المتعلقة بالجزائر، والتي سيتحدث عنها في الوقت المناسب. كما أبدى الرئيس الفرنسي أمله في الوصول إلى حل سريع لهذه القضية، مشددًا على أنها «مسألة إنسانية وإنسانية وكرامة للجميع»، بالاضافة الى مطالبة ابن الرئيس السابق ساركوزي بتدخل الولايات المتحدة للضغط على الجزائر لاطلاق سراح صنصال.
اليوم وقد صدر حكم الإدانة، بما يحمله من تجاهل لكل التحركات المدنية والسياسية منذ نونبر الماضي، بإنهاء هذه القضية التي حصل إجماع على كونها محاكمة رأي بالدرجة الأولى ،وتصفية حسابات مع كاتب أزعجت كتاباته وتصريحاته السلطات الجزائرية والذي وضعته تحت المجهر منذ سنوات، هل تتحرك فرنسا بشكل أكثر فاعلية لحماية مواطنها من شطط السلطة وعنفها؟