تأصيل الزعامة وأهم وظائفها عبرالتاريخ العربي

حسن إبراهيمي
شهد التاريخ منذ ظهور الإنسان على وجه البسيطة عدة ظواهر اجتماعية، هذه الأخيرة منها ما ارتبط ببيئة مجموعات بشرية تمكنت من أن تنتظم ضمن مجموعات للدفاع عن مصالحها، ومنها ما تسرب من بيئات أجنبية، فاحتضنتها بيئات أخرى بفعل عدة عوامل منها الهجرة، وغيرها. في نفس الإطار تجدر الإشارة إلى كون البعض من هذه الظواهر تمكن من الصمود بفعل عوامل أخرى، فتناقلته مجموعات بشرية لأسباب متعددة منها توظيفها لخدمة مصالح مادية أو رمزية، ومنها ما تعرض للانقراض بفعل التطور التاريخي لهذه المجموعات نفسها، وعدم قدرتها على تقديم إجابات لأسئلة جديدة، بعيدة كل البعد عن بيئتها، والأسئلة التي طرحتها .
ومهما يكن من أمر، فبالرجوع للتاريخ البشري يتضح أن هذه المجموعات انتظمت ضمن إطار مجموعات بشرية تطورت بفعل التطور التاريخي لها، نذكر منها العشيرة، القبيلة، والأسرة على أن هذه المجموعات أدت وظائف مختلفة تطورت أيضا بفعل التطور التاريخي لها، هذه الوظائف ظلت تؤدى بفعل ارتباطها بهذه المجموعات، وهذه الظواهر نفسها . ومن بين الظواهر التي نود مقاربتها،بشكل مختصر، ظاهرة الزعامة التي تأصلت في التاريخ العربي، وترتب عنها قيامها بالعديد من الوظائف، ذلك أنها كانت تشرف على تنظيم العلاقات بين الأفراد والمجموعات داخل العشيرة، وداخل القبيلة وفقا لتنظيم تقليدي للعلاقات ساد ولا يزال يسود في ما بين هؤلاء الأفراد. ولعل التاريخ العربي الإنساني يشهد بتمكن الزعامة من فرض هيمنة هذا التنظيم، ذلك أنه قليلا ما يخرج عنه بعض الأفراد، وبعض المجموعات. ولعل مجموعة الشعراء الصعاليك من بين المجموعات التي خرجت على هذا التنظيم، في نفس السياق تطور هذا التنظيم لتعرفه التنظيمات السياسية بعد ظهورها من أجل تسهيل عمل الكوادر السياسية، بل هياكل هذه التنظيمات، نفس الشيء بخصوص النقابات، وجمعيات المجتمع المدني. ولعل من أهم وظائف هذه الزعامات التحكم في مجموعات بشرية، بمنعها من الخروج عن الأعراف والتقاليد بخصوص العشيرة والقبيلة، وكذلك منعها من الخروج عن القوانين الجاري بها العمل في كل دولة .
ومن بين وظائفها أيضا فرض الاستبداد كما عرفه التاريخ العربي الإسلامي، ذلك أنه بعد وفاة الرسول عرف العرب صراعا سياسيا حول من يخلفه، وكان من أهم نتائج هذا الصراع ضرب إمكانية تحقيق الديمقراطية بتعيين عمر بن الخطاب لأبي بكر الصديق خليفة للرسول، وتعيين الخليفة الأول للرسول لعمر، فكان من بين نتائج ذلك اغتيال الخلفاء الراشدين، بعد تأخير دفن الرسول ليومين أو أكثر، فنشأ استبداد وفساد في تاريخ السلطة في الإسلام حتى نشأ تناقض بين روح الدين كما جاء في القرآن، وما يروج له بعض الفقهاء من أجل ضمان تغلغل شرعية الحاكم العربي في عقول المسلمين، بتحول العديد من المواقف السياسية إلى دين، بل تحويل التقاليد والأعراف التي ظهرت بفعل التطور التاريخي لشبه الجزيرة العربية إلى دين، وبالتالي التأثير في الوعي الجمعي العربي لصالح الحاكم العربي، ومن ثم اختلط الدين بالسياسة عند المسلمين رغم أن لكل مجاله الخاص، فنشأ عن ذلك تعصب عند العديد من المواطنين ذلك أنه بفعل تغلغل العقل الفقهي، وتأثيره في وعي ولا وعي المسلمين بفعل حصر التاريخ في شبه الجزيرة العربية لعدم الإيمان بتطوره، ونشر ذلك بواسطة فضاءات مختلفة منذ عصر الأمويين والعباسيين، كان لذلك أخطر نتيجة، ويتعلق الأمر بنشر التشدد، وتربية المواطنين على كراهية المؤسسات والعاملين فيها والأفراد ، والدعوة للاغتيالات، وكان أخطر تنظيم عرفته الدول العربية تنظيم «داعش» الإرهابي، ومن بين المتنورين الذين ذهبوا ضحية مواقفهم وتعصب الغير، نذكر الشهيد عمر بن جلون في المغرب، فرج فودة في مصر، مهدي عامل في لبنان وشكري بلعيد في تونس .
وعليه فإن الزعامة، ثقافة وموقف قديمان في السيرورة التاريخية العربية، ذلك أنها كانت نتاج حروب وعدم الاستقرار وعدم الشعور بالأمان، لذلك ففي ظل البحث عن الأمان ظهرت الزعامة في العصر الجاهلي، ولعل الشعر تضمن الكثير من هذه الثقافة. لقد كانت الحروب تطول حتى أن الناس يبحثون عمن يخلصهم منها، لذلك ظهرت الزعامة من منطلق الدفاع عن القبيلة، لكن أيضا من منطلق الدفاع عن صفة السيد، ذلك أن الزعيم كثيرا ما يبحث من خلالها على استمرارها في أحفاده لضمان الرأسمالين المادي والرمزي اللذين يمتلكهما بفعل عوامل تاريخية لعب فيها التنظيم الاجتماعي دورا مهما، كما تبنتها تنظيمات سياسية ومنظمات نقابية وحقوقية، وجمعيات المجتمع المدني . لكن بتقديري اليوم إذا كان المواطنون نظرا لصفات يمتلكها بعض الناس ومواقف تبدو وجيهة بسبب ذلك، يمكنهم انتخاب الزعيم لكن ليس من منطلق فرض قراراته ومواقفه على المواطنين، لكن من منطلق الانتصار للخيار الديمقراطي حيث بعض تنظيماتنا السياسية تفتقر لها، وعليه بتقديري لا يمكن لتنظيم سياسي أن ينمو بشكل طبيعي خارج قيادة لكن هذه القيادة ينبغي أن تكون مسؤولة تنصت لخيارات المواطنين في إطار النقاش الديمقراطي والاحتكام لقرار الأغلبية.
إن بناء مجتمعات حداثية في دولنا العربية يتطلب الحسم مع المثقف الفقيه المتعصب، والمستبد، والانتصار للمثقف المتنور والانفتاح على ما تفرزه العلوم، والاستفادة منها لضمان تغليب الحداثة على التقليد، بإعادة النظر في منظومة التعليم وتعميمه، وخلق شرط تجويده، وخلق كل الشروط التي تلعب دورا مهما في بناء وعي جديد عند الإنسان قوامه الخلق والإبداع على أساس التعايش بين الجميع.
الكاتب : حسن إبراهيمي - بتاريخ : 07/04/2025