الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: بين الفرص والتحديات الأخلاقية

فدوى الرجواني
لا شك أن الذكاء الاصطناعي يوفر اليوم إمكانيات كبيرة لتحسين جودة حياة الإنسان وتعزيز حقوقه الأساسية ولكنه وفي نفس الآن يطرح إشكالات حقوقية وأخلاقية قد تنتهك القيم الأساسية للإنسانية.
إن التركيز على الجوانب الإيجابية للذكاء الاصطناعي في قطاعات الصحة والتعليم والبيئة مثلا، لا يجب ان يمنعنا من إثارة هذه الإشكالات والوقوف على الجوانب السلبية واللاأخلاقية لاستعمالاته.
فرغم الفوائد العديدة، تحمل تقنية الذكاء الاصطناعي تحديات جدية في ما يتعلق بحقوق الإنسان لاسيما تلك المتعلقة بانتهاك الخصوصية، فما يتم تجميعه من كميات هائلة من البيانات الشخصية وقدرته على تحليلها يثير مخاوف جدية بشأن إساءة استخدامها أو تسريبها، كما يصف بعض الخبراء خوارزميات الذكاء الاصطناعي
بالتمييز والتحيز، فقد تحتوي نماذج الذكاء الاصطناعي على تحيزات نتيجة البيانات المستخدمة في تدريبها، قد تؤدي إلى تمييز ضد مجموعات عرقية أو اجتماعية معينة بالإضافة كذلك للاستخدامات العسكرية والتي تعتبر من أكثر المجالات إثارة للقلق، خصوصا بعد ظهور أمثلة حقيقية على انتهاكاته المحتملة، لعل أبرزها ما حدث مؤخرا مع ابتهال أبو سعد، المهندسة المغربية التي استغلت الاحتفال بذكرى تأسيس شركة مايكروسوفت الخمسين، لتنتقدها علنا وتتهمها بتطوير تقنيات ذكاء اصطناعي تستخدم في دعم عمليات الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين، ووصفت هذا التعاون بأنه «تواطؤ مع الإبادة الجماعية»، وأشارت إلى ضرورة وضع حدود أخلاقية واضحة للشركات التكنولوجية الكبرى. هذا الحدث أثار جدلا واسعا حول دور الشركات في النزاعات الدولية، ودفع ناشطين حقوقيين إلى إطلاق دعوات للتفكير في معايير أخلاقية صارمة تُلزم المؤسسات بمراجعة استخداماتها للتقنيات الحساسة.
ان التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي ورغم ما يقدمانه من أشكال جديدة لممارسة الحقوق والحريات إلا أنهما قد يتحولان الى أدوات تعصف بجوهر حقوق الإنسان، ليس فقط لما قد تسفر عنه، كما سلف الذكر، من انتهاكات للخصوصية والبيانات الشخصية بل كذلك لما قد يترتب عنها من تأثير الناس وتضليلهم ونشر الأخبار الزائفة، وهو ما انتبه إليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث دعا في تقريره السنوي لعام 2020 إلى «فتح نقاش عمومي حول حماية حقوق الإنسان في مجال التكنولوجيا وحقوق الإنسان» مؤكدا في تقاريره على عدم إغفال قيم حقوق الإنسان في التكنولوجيا واستعمالاتها من خلال اعتماد المواثيق الدولية ذات الصلة ووضع استراتيجية رقمية وطنية تستند إلى مبادئ حقوق الإنسان وترسيخ المقاربة الحقوقية في النصوص القانونية الناظمة لهذا المجال وشدد أيضا على ضرورة أخذ حماية حقوق الإنسان بعين الاعتبار عند تصميم التطبيقات والخوارزميات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وكذا لزوم تعزيز سبل الانتصاف القضائية وغير القضائية للمواطنات والمواطنين بعلاقة مع التكنولوجيات الحديثة.
وسعيا منه لاستجلاء الإشكالات الحقوقية التي يطرحها تسارع وتيرة التقدم التكنولوجي، أطلق المجلس الوطني لحقوق الإنسان منذ نهاية عام 2019 سلسلة من المشاورات الموسعة مع الخبراء والفاعلين في المجال من أجل بلورة أجوبة جماعية لهذه التحديات. وأورد الخلاصات التركيبية المنبثقة عن هذه اللقاءات في تقرير موضوعاتي أصدره عام 2022 ناقش فيه أخلاقيات الذكاء الاصطناعي واستعرض نتائج الرصد المنجز بخصوص حقوق الإنسان في العالم الرقمي والذكاء الاصطناعي كما اطلق منصة تفاعلية للتشاور والحوار والمساهمة في النقاش العمومي حول كيفية مواجهة التحديات المرتبطة بضمان ممارسة الأشكال الجديدة لحرية الرأي التعبير، والتفكير الجماعي في الأبعاد المتعلقة بأخلاقيات استعمال التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، والتفكير في كيفية استلهام بعض التجارب والممارسات الفضلى في هذا المجال من أجل بلورة ميثاق وطني لأخلاقيات استعمال الفضاء الرقمي في المجال العام.
وفي نفس السياق، وفي علاقة التقدم التكنولوجي مع الممارسة الإعلامية، أبرز المجلس في الرأي الاستشاري الصادر عام 2021 حول مشروع القانون رقم 17.71 الذي يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 13.88 المتعلق بالصحافة، ضرورة بلورة أدوات وأساليب مبتكرة لمواكبة التحولات التي فرضتها التكنولوجيات الحديثة للتواصل بشكل عام، ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، والتي تحولت تدريجيا إلى قنوات أساسية لممارسة حرية الإعلام.
كما قام بإحداث قسم يعنى بقضايا التكنولوجيا والفضاء الرقمي وحقوق الإنسان ضمن هياكله سنة 2023، بهدف رصد آثار استعمالات التكنولوجيا بالمغرب والمواكبة المستمرة لما قد يتمخض عنها من انتهاكات للحقوق والحريات
وفي كلمة تأطيرية ألقاها مدير الدراسات بالمجلس الوطني لحقوق الانسان باسم رئيسته في افتتاح ندوة علمية احتضنتها جامعة الحسن الأول فبراير الماضي بمدينة سطات، أشارت السيدة آمنة بوعياش إلى هذا التماس بين حماية حقوق الإنسان واستعمال الذكاء الاصطناعي، وحذرت من تجاهل ثلاث قضايا رئيسية :
المعلومات المضللة وتأثيرها على الحقوق والحريات
التمييز وإعادة إنتاج الصور النمطية
ثم التأثير غير المتكافئ على الفئات الهشة، خاصة النساء كما دعت إلى ضرورة وضع المغرب لأول استراتيجية له خاصة بالذكاء الاصطناعي، واعتبرت أن حقوق الإنسان لا تتعارض بالضرورة مع التطورات التكنولوجية والرقمية.
إن وعينا بهذا التشابك بين التطور التكنولوجي وحقوق الإنسان يضعنا أمام مسؤوليات تاريخية لحماية الأجيال القادمة والتي قد تجد عالما تغيب فيه قيم حقوق الإنسان، عالم لا صوت يعلو فيه على صوت المصلحة المجردة من الأخلاق، ولهذا يجب أن تفكر المجتمعات والدول، وهي تتسارع لتطوير أحدث التقنيات، في تطوير ميثاق عالمي جديد لحقوق الإنسان يساعد الأجيال القادمة على فهم تحديات الذكاء الاصطناعي وضمان استخدام سليم له.
الكاتب : فدوى الرجواني - بتاريخ : 15/04/2025