ثمانية أشهر فقط تفصلنا عن الطي النهائي لنزاع الصحراء؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

وضع ممثل المغرب في الأمم المتحدة السيد عمر هلال موعدا قريبا لانتهاء ملف النزاع المفتعل. ورفع من منسوب التفاؤل قرب الحسم في ملف طال زمانه بتقريب موعد الحسم في نزاع دام نصف قرن من الزمن. وتمنى أن تكون ذكرى المسيرة في نونبر القادم هي ساعة الراحة الوطنية الكبرى .. ولعل ذلك التاريخ الذي يتزامن مع جلسة أكتوبر الذي يعالج فيه مجلس الأمن الملف بقرارات ملزمة: يستفاد من السيد عمر هلال المعروف باتزانه وتحفظه ونأيه عن أية لغة احتفالية مفرطة، أنه خلال الاجتماع القادم، سيكون مجلس الأمن قد وضع نقطة النهاية في ملف النزاع الإقليمي مع الجزائر..
نستنتج بدون خوف من المبالغة أو المجازفة بأن ما يفصلنا حاليا، هو 8 أشهر فقط، عن طي هذا الملف..على مستوى الأمم المتحدة..
هل هو تفاؤل المسؤول الوطني الذي يقرأ بعين الرضى ما يتحقق ميدانيا، دوليا على وجه الخصوص، لصالح الصحراء؟
أم هو تصريح السفير المقيم في واشنطن الذي يبالغ في قوة أمريكا على حل المعضلات الدولية؟؟ وكيف يتأتَّى لها ذلك من داخل مجلس الأمن بالتزام بموازين القوة فيه؟
هاته الأسئلة وغيرها تفرض نفسها، ليس من باب التشكيك حاشا.. بل من باب «قال بلى ولكن ليطمئن قلبي!».
فهذا التفاؤل المعبر عه بلغة لا غبار عليها وبصيغة الجزم، تم الاعتماد فيه، بشكل كبير وأساسي، على كون الولايات المتحدة «عازمة» على الطي النهائي للملف.
وأهم دليل في ذلك، هو مضمون ما أخبرت به السيد دي ميستورا، المكلف دوليا بتنزيل قرارات مجلس الزمن، ذات الصلة، ونقل المواقف التي تعرب عنها الأطراف، السرية. منها والعلنية، إلى الجهاز التنفيذي الأممي، وكذلك لكونه المكلف حاليا بالمخطط السياسي للتسوية!
وأهم ما فيه، هو التزامها بتنشيط الدورة السياسية والانخراط الفعلي في دفع الأطراف، وهي هنا الجزائر والمغرب بالأساس، للوصول إلى الحكم الذاتي كما تبلور حوله الدعم الدولي !
وفي هذا المضمار، تملك أمريكا حاملة القلم (وهي في ذلك تشبه فرنسا وبريطانيا في ملفات أخرى غير ملف الصحراء)، من الأوراق، ما يؤهلها للعب هذا الدور :
ـ صياغة القرارات التي تخص الصحراء، وفي تقديرنا فإن هاته الدولة لا يمكن أن تصوغ، ثم، تتفاوض وبعدها تعرض للتصويت وتسمح بتمرير قرارات تتعارض مع قناعاتها الذاتية.
ومن ذلك فإن أمريكا لن تعرض على المجتمع الدولي تأويلا للشرعية الدولية يعود بنا إلى مرحلة الاستفتاء مثلا!
ـ العمل على اتخاذ مبادرات، كما تنص على ذلك أعراف العمل داخل المجلس، والأمم المتحدة، ذات العلاقة مع الملف الذي تتولاه، وهو هنا قضية الصحراء. وتصر بأنها تبادر بدعوة الجهات المعنية إلى طاولات مستديرة ، ويستبعد في هاته الحالة أن ترفض دولة مثل الجزائر دعوة وراءها أمريكا..
ـ حاملة القلم هي التي تتولى المفاوضات من بعد القرارات، وهي من صميم التزامها، وهو ما يعنينا هنا في الموقف الأمريكي الجديد.
+ حاملة القلم يمكنها كذلك أن تتخذ مبادرات تخص أنشطة مجلس الأمن في علاقة بالملف موضوع الدراسة، من قبيل الاجتماعات الآجلة أو النقاشات التي تراها مناسبة أو تحديد مهام محددة لوفود وبعثات .. إلخ… من خارج البعثات الموجودة أصلا!
إذن هذه هي الوسائل المؤسساتية، التي يتقاطع فيها العرف الأممي مع القدرة السياسية في تدبير الملف.
بخصوص ما هو «خارج النص»… لا يمكن أن يغيب عنا العديد من العناصر في تحليل الوضع الحالي:
أولها أن واشنطن تعالج العديد من القضايا ويمكنها أن تنشط المسيرة نحو الحل كما يمكنها أن تعرقلها، وهي إلى ذلك تملك العديد من أوراق الضغط.
ـ واشنطن كذلك باشرت العديد من المفاوضات، حتى من خارج مجلس الأمن الأممي في حالات التعذر (أوكرانيا والشرق الأوسط )
وإلى ذلك نتمتع بوضع إيجابي للغاية من وجود التقاء إرادة فرنسا وأمريكا حول الملف، بل حول التحرك المشترك بين البلدين من أجل إقرار الحكم الذاتي..بما هو التزام فرنسي أمريكي مشترك بالدفاع عن سيادة المغرب والعمل بنشاط من أجل هذا الحل وطنيا ودوليا..
إلى ذلك، ما هي الوضعية التي توجد عليها» الأطراف الأخرى؟: لقد فشلت كل سياسة الجيران في تعطيل الحل السياسي، وذلك بالعمل على مستويين : ميداني عسكري وسياسي دولي.
الأول عندما اعتبرت أن إعلان الخروج من اتفاق وقف إطلاق النار، الموقع بين الانفصاليين والأمم المتحدة يمكن أن يمثل قوة ضغط أو إقناع بأن السلام في خطر وأن الحرب على وشك العودة .. إلخ ، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث بالرغم من وجود حالات هجوم كثيرة على المغرب، بل يمكن أن نفهم تقارير المينورسو نفسها التي أسقطت هذه الورقة من بين يدي أصحابها عندما اعترفت بأن النزاع في درجاته الدنيا وأن الطرف المغربي يتحكم في الميدان، وأن ما تبقي للأطراف الأخرى هو التلويح بخطر الحرب. وقد وضعت له غطاء سياسيا بناءً على ما ورد في تقديم دي ميستورا : المشار إليه أعلاه من حيث “غياب أي قنوات دبلوماسية للتواصل”، و”استمرار إغلاق الحدود” و”ارتفاع وتيرة التسلّح في البلدين” بين المغرب والجزائر..
وفي العنصر السياسي المباشر نجد محاولة الجزائر التهرب من الموائد المستديرة، والادعاء أنها غير معنية، والحال أنها كانت الوجه السياسي لنفس العملية عند الأطراف الأخرى.. وما لم تنجح فيه الهجمات البعيدة لم تنجح فيه ديبلوماسية التجميد أو التأزيم بمحاولة إفراغ قرارات مجلس الأمن من محتواها السلمي.
وكان الهدف، بطبيعة الحال، هو تعطيل المسلسل السياسي كمقابل لمكسب مغربي بالتخلي عن الاستفتاء، ومن أجل التفاوض بذلك للعودة إلى ما. قبل الحكم الذاتي.
وهو ما لم تنجح فيه الأطراف المعنية.. وأكثر من ذلك، وضعت نفسها في تناقض مع المجتمع الدولي عندما وجدت نفسها خارج دينامية البحث عن حل والدفع نحو الاستقرار…
الأنكى من ذلك هو توسيع دائرة التوتر لتشمل المنطقة كلها: شمالا إسبانيا وفرنسا، غربا المغرب، جنوبا مالي بوركينا فاسو والتشاد .. ليبيا غربا .. ومحاولة بناء \محاور لأجل التشويش في المنطقة، بدون نسيان تلويحها بالشراكة مع إيران…
وفي الإطار الماكرو ـ جيو ـ سياسي:يستفيد المغرب من تراجع التقاطب الحاد حول الصحراء، الذي طبع المراحل السابقة بين قطبين إيديولوجيين، (حاليا، الصين توافق على قرارات مجلس الأمن الخاصة بدعم المسارات الديبلوماسية لصالح المغرب مثلا) ويستفيد من الرأي العام الدولي الذي تبلور لفائدة الحكم الذاتي، كما يستفيد من انكشاف حقائق درامية تتعلق بتقاطع الإرهاب والانفصال في تندوف، وتقاطع تحالفات طهران والجزائر، وبالسعي الأمريكي من داخل الكونغريس إلى تصنيف البوليساريو منظمة بممارسات إرهابية ذات علاقات مشبوهة دوليا..وسقطت فكرة الشعب الصحراوي وبرزت فكرة التنظيم الإرهابي! وهي نقطة إضافية لتحول القضية، من قضية نزاع إلى قضية إرهاب!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 16/04/2025