مشروع توحيد صناديق الاحتياط الاجتماعي خطوة متسرعة وأحادية غير محسوبة العواقب
غياب الرؤية السياسية الواضحة لدى الحكومة في كيفية ومرامي تنزيل ورشي تعميم الحماية الاجتماعية وإعادة بناء المنظومة الصحية وعَـجْـزِهَا عن بلورة خطط ناجعة وتحقيق الأهداف المبرمجة لهذين الورشين الملكيين يهدد نجاحهما في بناء الدولة الاجتماعية
أكثر من 95% من نفقات التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (AMO) المتعلقة بالأنظمة الخاصة، وأكثر من 80% من نفقات منخرطي CNOPS، تذهب إلى القطاع الخاص، مما يهدد ديمومة صناديق التأمين وإضعاف المرفق العمومي
أكد الدكتور كريم بلمقدم، الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحة العمومية، أن المغرب يواصل، بفضل الرؤية الملكية، تنزيل الورش الاجتماعي المتمثل في تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة، وكذا الإصلاح الشمولي للمنظومة الصحية، وهو الأمر الذي يجعل المتتبع يَشْعرُ بِفارقٍ في وتيرة التنزيل بين المشاريع والأوراش الملكية المُـهَـيْـكـِلـة التي تضع المواطن في صلب بـرامِـجِـها، وبين سياسات الحكومة التي تنتصر لمصالح طبقات اقتصادية معينة على حساب الاستقرار والنهوض المجتمعي.
وأضاف الدكتور بلمقدم، أن المدخل لمعالجة اختلالات ونواقص القطاع الصحي، وخاصة النقص الحاد في الموارد البشرية، والذي يؤثر سلبا على تمتع المواطن بالحق في الصحة، يقتضي حتما الاعتراف بخصوصية القطاع وتَوْلِيَتِهِ المرتبة الأولى في السياسات العمومية.
إن المتتبع لأدبيات النقابة الوطنية للصحة العمومية منذ التأسيس سيلاحظ أنها كانت دائما تطالب بإقرار ميثاق وطني للصحة يضبط المتدخلين في القطاع ويؤسس لمنظومة صحية وطنية عمومية، مـنصـفـة اجـتـمـاعـيا ومـجـالـيـا وسـهـلـة الولـوج، وذات جـودة وقادرة على ضمان ديمومتها وتمويلها.
ويسجل الكاتب العام، التزام النقابة الوطنية للصحة العمومية، كنقابة مـُـوَاطِــنَــة بالانخراط الشامل في الورش الملكي لإصلاح المنظومة الصحية، الأمر الذي أكدناه منذ اجتماع يوليوز 2022 مع الوفد الحكومي.
وأشار إلى أن الاعتراف بخصوصية القطاع الصحي الذي كان مَـطْـلَـب النقابة الأساسي منذ عقود يقتضي من الحكومة مراجعة سياستها تجاه المرفق العمومي الصحي عبر إعادة الاعتبار إلى القطاع العام وضمان جاذبيته، وديمومة العرض الصحي به، عبر الرفع من التمويل العمومي والحـرص على استمراريته وإقرار سـياسـة تَـكَـامُـلِـيَـة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، يكون قطبها الأساسي المستشفى والمستوصف العمومي.
كما ينبغي على الحكومة تدعيم الاستثمار العمومي وإعادة ضبط الخريطة الصحية وتجاوز الاخْـتِـلاَلاَت و الـتَفـَاوُتَـاتْ المَـجَـالِـيَـة في توزيع وتدبير الموارد الصحية سواء تعلق الأمر بالبنية التحية والمستلزمات والمعدات الصحية أو بتوفير الأطر الصحية بكل فئاتها بالأعداد الكافية وتأهيلها وتحفيزها بشكل مستمر ومأسسة الحوار الاجتماعي في مستوياته الثلاثة، باعتباره الآلية الوحيدة للنهوض بالقطاع ومعالجة اختلالاته والاستجابة لمطالب وآمال مختلف مهنيي الصحة المادية والاجتماعية والمهنية العادلة والمشروعة.
إننا ننظر إلى جانب الحكامة التدبيرية داخل قطاع الصحة كأحد المَــحـَاوِرِ الأساسية داخل الورش الشمولي لإصلاح المنظومة الصحية الجديدة، وخير مثال على ذلك تجاوز النظرة الضيقة للمسؤولية واقرار مقاربة تشاركية في تدبير المرفق العمومي الصحي والربط المسؤولية بالمحاسبة وتعزيز أدوار اللاتمركز الإداري، انطلاقا من الخصوصيات التي أقرتها الجهوية المتقدمة.
وسجل الدكتور بلمقدم أن غياب الرؤية السياسية الواضحة لدى الحكومة في كيفية ومرامي تنزيل ورشي تعميم الحماية الاجتماعية وإعادة بناء المنظومة الصحية وعـجْـزِهَا عن بلورة خطط ناجعة وتحقيق الأهداف المبرمجة لهذين الورشين الملكيين، يهدد نجاح هذين الورشين الهامين في بناء الدولة الاجتماعية. حيث أشار تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لهاته السنة إلى أن أكثر من 95% من نفقات التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (AMO) المتعلقة بالأنظمة الخاصة، وأكثر من 80% من نفقات منخرطي CNOPS، تذهب إلى القطاع الخاص، مما يهدد ديمومة صناديق التأمين و وإضعاف المرفق العمومي.
وأكد أن شعار المؤتمر الوطني التاسع يعكس التخوف والهاجس داخل نفوس كل مهنيي الصحة بمختلف فئاتهم من ضرورة تثمين الموارد البشرية في الإصلاح القادم باعتبارها المدخل الرئيسي لإنجاح هذا الورش، وفي مقدمة ذلك الحفاظ على مركزية أجورها وصفة الموظف العمومي واستقرارها المهني والوظيفي وكذا التنصيص على كل الضمانات الأساسية المنصوص عليها في النظام الأساسي للوظيفة العمومية.
وأضاف الكاتب العام: « إننا نواصل عملنا الدؤوب رفقة كل مكونات الجسم الصحي من داخل التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة الذي نعتبره خيارا استراتيجيا مرحليا ناجحا، هدفه الأساسي تنزيل مضامين اتفاق 23 يوليوز 2023، الذي تَــوَجَ مسلسلا نضاليا امتد لستة أشهر وجلسات تفاوضية انطلقت منذ توقيعنا لاتفاق فبراير 2022، وسيمكن بفضل التلاحم وتظافر الجهود من تحقيق مطالبه الأساسية سواء المادية أو الاعتبارية أو الإدارية، وذلك رغم سعي بعض الأطراف بشراكة وتزكية من الحكومة، في وقت من الأوقات، إلى الالتفاف عليه وعلى مطالبه العادلة والمشروعة.
إن سعي الأغلبية الحكومية الأحادي إلى فرض القانون التكبيلي للإضراب الذي يضل موقفنا منه ثابتا باعتباره قانونا مجحفا ضد الطبقة العاملة، من شأنه المساس بحرية ممارسة الحق الدستوري في الإضراب والحد من أدوار ومكانة العمل النقابي الجاد والمسؤول.
إننا نؤكد أن الأولوية في هذا الباب، تقتضي اخراج القانون التنظيمي للنقابات، باعتباره المؤطر الأساسي للـحــياة النقابية. هذا القانون من شأنه تقنين العمل النقابي والقطع مع حالة العشوائية والفوضى والريع الذي يعرفه المشهد النقابي ببلادنا.
واعتبر أن مشروع توحيد صناديق الاحتياط الاجتماعي هي خطوة متسرعة وأحادية غير محسوبة العواقب، من شأنها خَـرْقُ مبدأ التضامن بين المنخرطين الذي أُسِسَتْ عليه هاته المنظمات. كما شكلت فصول قانونه إجهازا غير مقبول على حقوق المنخرطين ومكتسبات نظام التأمين والتعويض عن المرض.
وتساءل الكاتب العام باستياء عما تريد الحكومة مرة أخرى من الإصلاح المقياسي للصندوق المغربي للتقاعد؟؟!! إننا نؤكد أنه إعادة لنفس سيناريو الإصلاح الضيق والفاشل الذي تم اعتماده في سنة 2015 وتصدت له النقابة الوطنية للصحة العمومية رفقة كل مكونات الفيدرالية الديمقراطية للشغل بكل شجاعة وإصرار.
واعتبر مخطط الحكومة الحالية استهدافا مباشرا لمكتسبات المنخرطين بالصندوق المغربي للتقاعد، حيث يؤدي الموظف المغلوب على أمره دائما فاتورة فشل سياسات الحكومة. إننا نؤكد أن الاصلاح الحقيقي لأنظمة التقاعد ببلادنا يستوجب اولا توحيد انظمتها، وتأدية الحكومة لما في ذمتها من مستحقات وتفعيل تقارير المجلس الأعلى للحسابات ولجان التحقيق البرلمانية في الموضوع .. إننا نتشبث بضرورة مراجعة أنظمة التقاعد بالمراكز الاستشفائية الجامعية بمراكش والدار البيضاء وطنجة ووجدة وفاس وتوحيد انخِرِاطَات العاملين بها بالصندوق المغربي للتقاعد على غرار العاملين بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط.
وفي الختام عبر الدكتور كريم بلمقدم، الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحة العمومية، عن الفخر و الاعتزاز بانخراط مناضلات ومناضلي النقابة في كل المحطات النضالية والاستحقاقات التنظيمية، بكل التزام وجدية، وسعيهم الحثيث لإنجاح كافة التحديات التي تواجهُها النقابة الوطنية للصحة العمومية.