افتتح ولي العهد الأمير مولاي الحسن، أول أمس الاثنين، الدورة السابعة عشرة للملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، المنظم إلى غاية 27 من الشهر نفسه، تحت شعار «الفلاحة والعالم القروي: الماء في صلب التنمية المستدامة». حضر الافتتاح عدد من الشخصيات الوطنية والدولية، من بينها الوزير الفرنسي المنتدب المكلف بأوروبا، ممثلا لفرنسا كضيف شرف لهذه الدورة، إلى جانب ممثلين عن 70 دولة ومنظمات إقليمية ودولية.
وفي سياق متصل، من المتوقع أن يشهد المحصول الزراعي هذا العام زيادة ملحوظة بنسبة 44%، متجاوزا التوقعات الأولية. حيث أعلن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، أمس الثلاثاء في مكناس، أن المحصول سيتجاوز 44 مليون قنطار، بزيادة تقدر بـ41% مقارنة بالموسم الفلاحي السابق.
وقال الوزير خلال افتتاح مؤتمر دولي رفيع المستوى، نظمه الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس إن الموسم الفلاحي الحالي يبدو واعدًا على كافة الأصعدة. وأضاف أن شهري مارس وأبريل شهدا تساقطات مطرية هامة كان لها تأثير إيجابي للغاية على الوضع الزراعي في مختلف مناطق المملكة.
وأشار البواري إلى أن حالة الغطاء النباتي للحبوب الخريفية تحسنت بشكل ملحوظ، مما أسهم في زيادة إنتاجيتها، خاصة في المناطق المواتية. وأوضح الوزير أنه مع الأخذ بعين الاعتبار التحسن في المحاصيل الربيعية، والوضع الجيد للثروة الحيوانية إثر الأمطار الأخيرة، بالإضافة إلى الأداء الجيد لمعظم الأنشطة الزراعية الأخرى، من المتوقع أن يسجل القطاع الفلاحي نموًا بنسبة 5,1% هذا العام، مقارنة بانخفاض قدره 4,8% في الموسم الماضي.
وتُقام دورة 2025 على مساحة تناهز 12,4 هكتارات، وتعرف مشاركة أزيد من 1500 عارض، يمثلون مختلف سلاسل الإنتاج والمجالات المرتبطة بالفلاحة، من المعدات والميكنة إلى التقنيات الحديثة والرقمنة الفلاحية. وتضم أروقة المعرض 12 قطبا، من بينها قطب الجهات، وقطب المؤسسات العمومية، وقطب البحث والابتكار، إضافة إلى أروقة خاصة بالمستثمرين الأجانب والمنتجات المحلية.
وشهد يوم الافتتاح زيارة ولي العهد لعدد من الأروقة، بدءًا بقطب الجهات، مرورا بجناح «الماء والري» الذي يبرز جهود الوزارة في تدبير الموارد المائية الفلاحية، ثم جناح البحث والابتكار حيث تُعرض حلول وتقنيات حديثة مرتبطة بالفلاحة الذكية، وتدبير ندرة المياه، وتحسين الإنتاجية. كما زار جناح مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، الشريك الأساسي في سلاسل الأسمدة وتثمين التربة.
وتتميز الدورة الحالية بحضور إفريقي واسع، إذ تشارك 12 دولة من القارة، في سياق يعكس توجه المغرب نحو تعزيز شراكاته جنوب-جنوب في المجال الفلاحي، خاصة في مجالات التكوين، نقل الخبرة، وتثمين المنتجات المحلية. كما حضرت منظمات مثل المجلس العالمي للماء والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، في إشارة إلى البعد الدولي لموضوع الدورة.
ويحمل شعار هذه الدورة أبعادا تقنية واضحة، حيث يرتبط مباشرة بالتحولات المناخية التي تؤثر على المنظومة الفلاحية، وخاصة في ما يتعلق بتقلص التساقطات وتراجع الموارد المائية. ويركز المعرض على تقديم حلول عملية لتثمين المياه في السقي، وتوسيع استعمال الطاقات المتجددة في الضيعات، وتشجيع الأصناف الزراعية المقاومة للجفاف.
وقد خصصت مساحة مهمة من البرنامج للندوات العلمية واللقاءات المهنية، التي ستتناول مواضيع ذات صلة بالتدبير المائي، الفلاحة المستدامة، رهانات الأمن الغذائي، الابتكار، وتطوير سلاسل القيمة. وتهدف هذه الفعاليات إلى تبادل الخبرات وبناء شراكات تقنية واستثمارية، خصوصا في ظل الإقبال المتزايد للمستثمرين على القطاع الفلاحي المغربي.
وتشكل المشاركة الفرنسية في هذه الدورة امتدادا لتعاون ثنائي طويل الأمد، يغطي مجالات متنوعة مثل التكوين الفلاحي، استعمال التقنيات الحديثة، التعاون الجامعي، ومواكبة مشاريع التثمين الفلاحي. وتستفيد جهات مغربية عديدة من دعم فرنسي في مشاريع تتعلق بسلاسل الحليب، زراعة الأشجار المثمرة، وتطوير منتجات محلية موجهة للتصدير.
وأصبح الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس منصة لتقاطع السياسات العمومية مع حاجيات السوق، وفرصة للمهنيين لترويج منتوجاتهم واستكشاف فرص الاستثمار. كما يوفر للزوار والمستثمرين معطيات ميدانية حول تطور القطاع، ويفتح النقاش حول التحديات المستقبلية المرتبطة بالتسويق، التمويل، التحول الرقمي، والإدماج المجالي.
وتساهم الفلاحة بحوالي 13% من الناتج الداخلي الخام، وتشغل أكثر من 37% من اليد العاملة الوطنية، مع تفاوت واضح بين المناطق. وتُراهن الدولة على الملتقى كمحطة لتسليط الضوء على دينامية مخطط الجيل الأخضر 2020-2030، الذي يسعى إلى خلق طبقة فلاحية متوسطة، وتحسين القيمة المضافة، وتحقيق الأمن الغذائي الوطني.