بعد أربع سنوات على خطاب الملك … المغرب ما زال بدون مخزون استراتيجي للحبوب! .. رغم طاقات تخزين تصل إلى 60 مليون قنطار، المملكة لا تتوفر على مخزون يغطي حتى 3 أشهر

 

رغم مرور أربع سنوات على دعوة جلالة الملك محمد السادس إلى إحداث منظومة وطنية متكاملة للمخزون الاستراتيجي، ما زال هذا الورش الحيوي يعرف تعثرًا في التنفيذ، وسط تعدد الصدمات وتزايد المخاطر المرتبطة بالأمن الغذائي. ففي خطابه السامي لافتتاح السنة التشريعية 2021، شدد جلالة الملك على ضرورة «إحداث منظومة وطنية متكاملة، تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد».
واليوم، في سنة 2025، ما زال المهنيون يدقون ناقوس الخطر، محذرين من هشاشة منظومة التوريد، وغياب آلية مؤسساتية تضمن تأمين السوق الوطني من تقلبات الخارج، خصوصًا في ما يتعلق بالحبوب، العمود الفقري للغذاء الوطني.
في هذا السياق، دعا مهنيو قطاع الحبوب خلال ندوة نظمت على هامش الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس إلى إرساء مخزون استراتيجي وطني، قادر على تحصين السوق الوطنية من الصدمات الخارجية وتقلبات سلاسل الإمداد، وتعزيز الأمن الغذائي للمملكة في ظل تواتر الأزمات العالمية وارتفاع الاعتماد على الاستيراد.
الندوة التي نظمتها الفدرالية الوطنية لتجار ومهنيي الحبوب والقطاني FNCL، شكلت لحظة لعرض تصور عملي لمنظومة متكاملة تضمن مخزونًا استراتيجيًا يوازي حاجيات 4 إلى 6 أشهر من الاستهلاك، أي ما يعادل 30 إلى 45 مليون قنطار، يتم تدبيره من طرف الفاعلين الخواص تحت إشراف المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني (ONICL).
رئيس الفدرالية، عمر اليعقوبي، شدد في مداخلته على أن المغرب رغم توفره على طاقات تخزين تناهز 60 مليون قنطار، إلا أن أغلبها موجه للعمليات التجارية قصيرة الأمد، مما يجعل السوق عرضة للاختلالات عند أي اضطراب في سلاسل التوريد. وأضاف أن ارتفاع الاعتماد على الاستيراد، الذي تجاوز في السنوات الأخيرة 50 إلى 60 مليون قنطار سنويًا، يفرض المرور إلى نموذج تدبيري أكثر مرونة واستباقًا، يعزز السيادة الغذائية ويؤمن استقرار الأسعار.
وتأتي هذه المطالب في سياق وطني يتميز بتراجع الإنتاج المحلي في المواسم الجافة، حيث لا تتجاوز المساحات المسقية من الحبوب 300 ألف هكتار من أصل 4.5 ملايين هكتار مزروعة، ويظل المتوسط السنوي للإنتاج الوطني في حدود 75 مليون قنطار في المواسم الجيدة. وفي ظل هذا الواقع، تصبح التبعية للخارج مسألة بنيوية تتطلب أدوات للتأمين الغذائي، وفي مقدمتها المخزون الاستراتيجي.
كما استحضرت النقاشات حادثة إغلاق ميناءي الدار البيضاء والجرف الأصفر لأزيد من 12 يومًا شهر فبراير 2025 بسبب اضطرابات جوية، ما أدى إلى تأخر تفريغ الشحنات وتهديد التزويد المنتظم للسوق. حادثة وُصفت في الندوة بـ»ناقوس إنذار» يستدعي إعادة النظر في سياسات التخزين والتوريد.
وتقوم المقترحات التي عرضتها الفدرالية على إرساء سعر مرجعي للتدخل عند الحاجة، بحيث تعوض الدولة الفارق بين سعر السوق وسعر القمح المسحوب من المخزون، دون التأثير على قواعد العرض والطلب، وضمن احترام تام لمبادئ المنافسة. كما دعت إلى مراجعة تعويضات التخزين لجعلها محفزة للاستثمار في تأهيل الصوامع وتحسين شروط الحفظ والمعالجة.
الاقتراحات اتجهت نحو بناء مخزون وطني استراتيجي بالاعتماد أساسا على الإنتاج المحلي من الحبوب مع تعزيز تركيبة العينات المحلية وجويدها.
من جهته، أبرز ممثل المكتب الوطني للحبوب والقطاني أن المؤسسة منفتحة على كل مقترح عملي يضمن جودة التخزين واستمرارية الإمداد، مشيرًا إلى أن تجربة الدعم المؤقت لعمليات الاستيراد في الأشهر الماضية ساهمت في تخفيف الضغط على الأسعار، لكنها تظل غير كافية لضمان الأمن الغذائي على المدى الطويل.
وبينما يتجه العالم إلى تأمين احتياطاته الغذائية في ظل ارتفاع منسوب التوترات الجيوسياسية والتغيرات المناخية، يجد المغرب نفسه أمام تحدي إرساء منظومة قادرة على امتصاص الصدمات دون أن تمس بالقدرة الشرائية للمواطن أو تضر بدينامية السوق.


الكاتب : مكناس: عماد عادل

  

بتاريخ : 26/04/2025