حِكمُ علي أومليل: رفع السياسة إلى مرتبة التجربة الأخلاقية!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
كانت الدقائق المعدودة التي دامها اللقاء مع الدكتور علي أومليل، بمناسبة تقديم كتابه «حوار وسيرة»، كافية لكي يقدم المفكر والدبلوماسي والحقوقي والمناضل السياسي والأستاذ الجامعي والمحْتضن الفلسفي لجزء مهم من نخبة المغرب، عصارة التاريخ والسياسة والتجربة الحقيقية.
الحديث هنا لا يتعلق بالكتاب، الذي أبدع السفير وسيط المملكة حسن طارق، إلي جانب الكاتب والأديب محمد المعزوز والباحث الأكاديمي عبد السلام طويل، في تقريب منهجيته إلى الحاضرين. الحديث(للتدقيق( الاستماع لما قاله علي أومليل في تلك البرهة الزمنية المكثفة التي جمعته بثلة محترمة..
ولعل السياق يخلق المعنى: وفي هذا فقد كان لحديثه عن »المرحلة الحقوقية«، نبرة خاصة لما قال إن »التوجه نحو العمل الحقوقي في سنة 1979 لتأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان« في ذلك الزمن الملتهب، كان بسبب أن المجال السياسي كان مغلقا! وكان لا بد من تقوية المواطنة السياسية بالفعل الحقوقي. وما فهمناه أو فهمته، على الأقل، أن المسعى العميق من وراء التوجه الحقوقي.. كان هو رفع السياسة إلى مرتبة التجربة الأخلاقية.!
وكانت التجربة الحقوقية في تقديره، سواء مع الجمعية أو مع المنظمة من بعد باعتباره كان من المؤسسين للتجربتين، هو »القدرة على إحراج الدولة بالتزاماتها«!! أي فخ الدولة هو توقيعها..على المعاهدات والالتزامات الدولية. والمفارقة التي اشتغل عليها الحقوقيون وقتها هي الرهبة الرسمية من الرأي العام الدولي. وفي هذا السياق حكى علي أومليل، الذي انخرط في تجربتين ديبلوماسيتين من بعد للدفاع عن المغرب الجديد، في لبنان وفي مصر، مما وقع عند زيارة للوفد الأوروبي برئاسة وزير خارجية فرنسا وقتها كلود شيسون، الذي كان بصدد الترتيب لتوقيع اتفاقية مع المغرب، لكنه تراجع عنها بعد الاتصال بوفد من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان.
وبطبيعة الحال ذكر أومليل ما تعرضت له منظمة حقوق الإنسان من اتهامات وصلت إلى حد »اتهامها بالعمالة والإساءة لصورة المغرب«، وفي الحقيقة كان أومليل ورفاقه وإخوانه مقتنعين وقتها بأن الذي يسيرون المغرب هم» الذين يغبِّرون ، بالدارجة في النص… الناس«!
في الإنصات إلى صوته القوي، وماقدَّمه من تأملات التاريخ والفلسفة والسياسة. تحدث عن طابوهات كثيرة، ما زال جيل من اليساريين ولو لم يعيشوا كل ظروفها لا يجرؤون على ذكرها وتكسيرها: ومنها قوله إن من سوء حظ مصر وقوع ثورة الضباط الأحرار مع عبد الناصر…!
وأن اليسار المغربي يسار مفرنس متأثر باليسار الفرنسي، وهو مناهض للملكية، ويسار معرب تأثر بالضباط الانقلابيين، وهو يتحدث عن تطورات الدولة وصراع الشرعيات، ليختم بالقول إننا»أضعنا للمغرب وقتا طويلا» لم يتم تداركه إلا بعد سنين، في إشارة إلى حكومة التناوب..
ودعانا المفكر والمناضل والحقوقي علي أومليل في تلك الأمسية إلى القراءة الاعتزازية ـ اذا صح التعبير ـ للتاريخ »..أعطوني بلدا عربيا واحدا امتد تاريخه تسعة قرون واستمرت فيه الدولة طوال هذا التاريخ بالرغم من تعاقب الأسر الحاكمة…!
افتخروا ببلادكم، لكن ماشي ذاك الاعتزاز الخاوي( الأجوف) …بل باش تكون لبلاد أفضل فأفضل.« إنه الاعتزاز المملوء بالمستقبل لا بالتاريخ وحده!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 26/04/2025