هل قدر المغربي والعربي الانبهار والدهشة من تجارب الغير : الأوربي والصيني والأمريكي ؟ كيف استطاعت الصين أن تخلق نموذجها الخاص وتروض الذكاء والتكنولوجيا من أجل رفاهية المواطن ؟ وكل ذلك مسنود بخلفية ثقافية وقيمية وحضارية تمتد جذورها عميقا في التاريخ.
كل هذه الأسئلة / الرهانات، طرحها عبد الحميد جماهري وهو يستعرض مشاهداته وتحليلاته التي كانت جماع 4 زيارات إلى امبراطورية « التنين الأصفر»، طوتها صفحات كتابه « ذهبنا إلى الصين وعدنا من المستقبل»، وحضر لمتابعتها كل من كل من سفير فلسطين بالمغرب وزوجة السفير الصيني ورئيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني ومسؤولون بمؤسسة الإيسيسكو، التي استضافت تقديم الكتاب بجناحها داخل المعرض.
الكتاب الذي قدم أول أمس السبت 26 ابريل الجاري بالمعرض الدولى للكتاب في دورته الثلاثين، وشاركت في سبر بعض ملامحه الكاتبة ومديرة معهد کونفوشیوس بالرباط كريمة اليتربي، لا يكتفي بالانبهار والدهشة اللتين تخلقتا من هذه الزيارات، بل يطرح الأسئلة الجوهرية حول أوضاع العالم العربي من مرآة عاكسة. ولهذا يمكن القول إن هذه العودة من الصين تتم برؤية جديدة لمجتمعنا ، كما أنه بطرح رؤية فكرية ونقدية، جمع فيه المؤلف بين الحس الصحفي والبعد التأملي.. تأمل مؤطر كما يُقرأ من صفحات الكتاب، بمرجعيات فكرية عربية ككتاب «غرق الحضارات» لأمين معلوف والرحالة الجد ابن بطوطة وكتابه «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» ورواية جورج أورويل «1984» وغيرها من النصوص المؤسسة للعلاقة مع الآخر.
هذه التأملات/ التحليلات / المشاهدات، تكشف أننا لسنا وحدنا المأخوذين بهذا النموذج الرائد في كل شيء، بل إننا أمام نموذج أو حالة «استيلاب» بالمعنى الإيجابي، تنتاب العالم أجمع.
نموذج يرجعه المؤلف إلى الدور الذي تقوم به الأخلاق والقيم التي تملك حاضنة ثقافية حقيقية لحضارة ممتدة في التاريخ، كانت لها القدرة على التمسك بإرثها الرمزي رغم كل التحولات التي مرت منها داخليا، أو التي يعرفها العالم أجمع.
إضافة إلى الأخلاق، يرى جماهري أن الصين نجحت أيضا لأنها راهنت على الزمن وعلى الإنسان حتى تُنضج مشروعها وأفكارها التنموية وهذا سر تفوقها.
معطى آخر لا يقل أهمية ساهم في تماسك البناء الداخلي للبيت الصيني، يتمثل حسب جماهري في تعامل الصينيين مع سؤال الهوية، حيث لم يطرحوه كمجموعات دينية طيلة امتدادهم التاريخي، بل يعيشون «صينهم»وطنا، وهذا ما جنبهم ويلات الانقسامات والتصدعات التي نعيشها بالعالم العربي جراء استثمار الدين في لعبة السياسة.
هذا النموذج لا ينبغي مع ذلك، يقول جماهري، استنساخه بجزئياته ومرجعياته، بل يجب علينا البحث عن نموذجنا الخاص الذي يستلهم ثقافتنا، ويصهر تعبيراتها وتعددها اللغوي والإثني والجغرافي، كما فعلت
الصين، وهو نموذج لن ينجح بعيدا عن طرح الأسئلة الحقيقية المرتبطة بسلة القيم ومركزية التعليم، واستثمار التاريخ و المكان وصناعة الإنسان، القادر على ربح رهان التطور.
وتوقف جماهري في هذا اللقاء عند العلاقات الصينية – المغربية المدعوة اليوم إلى البحث عن معابر ومنافذ مبتكرة أو «طريق حرير جديدة «، بحث على النخب المغربية في الاقتصاد وفي الجامعة وفي السياسة، تجسير التواصل بشأنه للاطلاع على كيفية اشتغال الآلة الصينية خاصة أن الصين اجتازت مرحلتين مختلفتين جذريا على المستوى السياسي والاقتصادي واستطاعت رغم ذلك إعادة بناء توازناتها وبناء أسطورتها، وهو مسار طالما نادت به نخبة ما بعد الاستقلال بالمغرب ومن أهمهم الشهيد المهدي بنبركة، خاصة في مجال التعليم.
ولأن النموذج الصيني نموذج حي مفتوح على العالم، ودرس حضاري ملهم، أربك كبار دول العالم وساستها اليوم وأولهم ترامب، دعا جماهري إلى استلهامه في ما يبني فن العيش والطموح ومن ثم فن الحياة كما تليق باسم «المواطنة».
كيف بنت الصين أسطورتها؟ .. جماهري:الصين راهنت على الزمن وبناء الإنسان من بوابة القيم

الكاتب : حفيظة الفارسي
بتاريخ : 28/04/2025