المجلس الوطني لحقوق الإنسان يقدم تصوراته لإصلاح المسطرة الجنائية وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة

في خطوة تعكس حرصه على ترسيخ دولة القانون، قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مذكرة بخصوص مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23.
وكشف المجلس عن ثغرات تشريعية قد تنعكس سلبا على ضمانات المحاكمة العادلة.
وركز المجلس على العديد من النقاط، منها النقطة المرتبطة بمرحلة البحث التمهيدي، حيث حذر من مخاطر إطالة أمد الحراسة النظرية دون ضمانات كافية، موصيا بضرورة تقليص مدتها مع تعزيز الرقابة القضائية، وإلزامية حضور المحامي منذ الساعات الأولى للاحتجاز، كما طالب بتوثيق جميع مراحل الاستجواب عبر التسجيل السمعي البصري، خاصة في القضايا التي تتضمن اعترافات قد تكون تحت الضغط.
وفي تحليل دقيق لمرحلة التحقيق الإعدادي، أبدى المجلس قلقه من التوجه الذي يقلص صلاحيات قضاة التحقيق لصالح النيابة العامة. مشددا على أن هذا الانزياح قد يهدد مبدأ الحياد القضائي، داعيا إلى الحفاظ على الدور المحوري لقاضي التحقيق كضامن لحياد التحقيقات، كما أوصى بوضع ضوابط صارمة للاعتقال الاحتياطي وإقرار حق الطعن في قرارات الحبس.
وفي معرض حديثه عن إجراءات التحقيق، سلط المجلس الضوء على إشكالية التفتيش الجسدي والتحقق من الهوية، محذرا من غياب الضوابط الدقيقة التي تحمي حقوق الأفراد. كما دعا إلى تقنين هذه الإجراءات عبر تحديد مدة قصوى للاحتجاز، واشتراط إذن قضائي صريح لأي تفتيش داخل الجسم، مع ضرورة أن يجريه طبيب مختص.
وخصص المجلس حيزا مهما لدور المجتمع المدني، معتبرا أن الشروط المعيقة لانتصاب الجمعيات كطرف مدني تتناقض مع مبدأ المساواة أمام القضاء، ويطالب بإلغاء الشروط المجحفة كشرط الأربع سنوات والإذن المسبق، والاكتفاء بمعايير موضوعية ترتبط بأهلية الجمعية وتخصصها.
وفي ما يخص معالجة جرائم الفساد المالي، انتقد المجلس اشتراط الإحالة المسبقة من جهات رقابية، معتبرا أنه يعرقل محاربة الفساد.
واقترحت المذكرة تبني النموذج الفرنسي والكندي الذي يمنح النيابة العامة صلاحيات أوسع في متابعة هذه الجرائم، داعيا لإلغاء عقوبة الإعدام، مع التأكيد على ضرورة إقرار آليات فعالة لتعويض ضحايا الأخطاء القضائية ومراجعة الأحكام عند ظهور وقائع جديدة. وأوصي بتبني نظام المراقبة القضائية كبديل عن الاعتقال الاحتياطي، وتطوير آليات التحقيق عبر اعتماد التقنيات الحديثة.
توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان تجمع بين حماية الحقوق الفردية وضرورات العدالة الجنائية، وتضع الأسس لنظام قضائي أكثر إنصافا وفعالية، كما تعكس رؤية المجلس الوطني لحقوق الإنسان كشريك أساسي في بناء دولة القانون، حيث تتعزز ثقة المواطنين في المؤسسات القضائية، وتصان كرامة الأفراد وحرياتهم في إطار توازن دقيق بين متطلبات الأمن وحقوق الإنسان.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 28/04/2025