التحالف الاستراتيجي بين الاتحاد الاشتراكي والفيدرالية الديمقراطية للشغل

محمد السوعلي (*)
في سياق يتسم بأزمة تطال إجراءات وتدابير تمكن من أجرأة فعلية لمضامين الدولة الاجتماعية، وبتزايد مظاهر الهشاشة والتفاوتات الاجتماعية، يعيش المغرب لحظة فارقة تتطلب مساءلة جدية للسياسات العمومية، وإجراءات كفيلة بإعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات. فرغم الهيمنة السياسية للحكومة على الأجهزة التنفيذية والتشريعية والمنتخبة، وبالتالي عدم وجود قوى قد تتهم بعرقلة عملها، فإن واقع التنمية والخدمات العمومية ظلا يعانيان من اختلالات بنيوية عميقة.
من الاستقرار إلى الهشاشة: تفكك تدريجي للسلم الاجتماعي بالمغرب
اقتصاديًا، يتم تسجيل مؤشرات مقلقة كالبطالة المرتفعة (13.5% عمومًا و31% بين الشباب)، ونسبة نمو لم تتجاوز 2.4% عام 2023، وتضخم عند 6.1% أثر مباشرة على القدرة الشرائية. اجتماعيًا، تعاني 45% من المدارس من ضعف البنية، و70% من المواطنين غير راضين عن المنظومة الصحية. أما الحوار الاجتماعي، فقد أصبح شكليًا، حيث لم يتم تفعيل سوى 20% من الاتفاقات مع النقابات.
أمام هذا التراجع، برز التحالف بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والفيدرالية الديمقراطية للشغل كنموذج متميز لتكامل الأدوار بين السياسي والنقابي. تحالف قائم على احترام الاستقلالية ووحدة الرؤية، لا على التبعية، يسعى إلى مواجهة السياسات اللاجتماعية من موقع الميدان والمؤسسات. وقد تجلت قوة هذا التحالف في معركة القانون التنظيمي للإضراب، حيث دافع الفريق الاشتراكي عن مقترحات تحمي الحق الدستوري في الإضراب، في مواجهة نص حكومي تقييدي.
بين الاستقلال النقابي والدعم السياسي: تحالف القوات الشعبية وف.د.ش في مواجهة التغوّل
رغم تمرير القانون كما أرادته الحكومة، لم يتراجع التحالف، بل عزز حضوره الميداني من خلال التعبئة، والتأطير، والمرافعة. كما تميز بقدرته على الربط بين النضال اليومي والاستراتيجيات بعيدة المدى، رافضًا المساومة الظرفية، ومستثمرًا في القوة الاقتراحية.
السياسة والنقابة على خط واحد: من أجل دولة اجتماعية تحترم الأجير والموظف وتحمي الوطن
يبرز هذا الالتزام بشكل رمزي وعملي في فاتح ماي، حيث يشارك الحزب بكافة مكوناته إلى جانب النقابات، ليس فقط بالخطابات، بل من قلب الوقفات والمسيرات، مجسدًا وحدة النضال السياسي والنقابي.
وتغطي النقابات المنضوية تحت لواء الفيدرالية قطاعات استراتيجية مثل العدل، الصحة، التعليم، الجماعات الترابية، والبريد، حيث تخوض نضالات ميدانية يومية من أجل تحسين ظروف العمل، وصيانة المكتسبات، والدفاع عن الخدمات العمومية.
فاتح ماي… تجسيد ميداني لوحدة النضال بين النقابي والسياسي
تستعد الفيدرالية الديمقراطية للشغل، كما دأبت على ذلك كل سنة، لتخليد اليوم العالمي للعمال الذي يصادف فاتح ماي، من خلال تنظيم فعاليات نضالية وتعبوية على امتداد الجهات والأقاليم. وتكتسي هذه المحطة الرمزية طابعًا خاصًا في ظل سياق سياسي واجتماعي دقيق، إذ تتحول من مناسبة احتفالية إلى لحظة نضالية حاسمة للتعبير عن المواقف إزاء القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الراهنة، ولتجديد الالتزام بالدفاع عن حقوق الشغيلة المغربية.
وفي هذا الإطار، وجه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رسالة إلى كتاب الجهات وكتاب الأقاليم ومنسقي الأقاليم ومنسقي القطاعات الحزبية، يدعوهم من خلالها إلى التعبئة الشاملة والانخراط الميداني إلى جانب الفيدراليين والفيدراليات في مختلف الوقفات الاحتجاجية المقررة يوم فاتح ماي المقبل. ويأتي هذا التوجيه تأكيدًا على وحدة الصف النضالي، وتعزيزًا للتكامل العضوي بين الفعل النقابي والفعل السياسي في معركة تحقيق العدالة الاجتماعية.
إن أهمية هذه المناسبة تتجلى في قدرتها على تعبئة الطاقات الحزبية والنقابية، وإعادة ربط الجسور بين النضال الميداني والمرافعة المؤسساتية، في إطار من التنسيق المسؤول مع مختلف الهياكل التنظيمية الإقليمية والجهوية. وهو ما تسعى إليه القيادة التنظيمية للفيدرالية، من خلال ضمان التعبئة الفعالة وإنجاح التجمعات والمسيرات المبرمجة، بما يعكس صورة تنظيم ديمقراطي، ملتزم ومتشبث بخياراته النضالية.
هذا التحالف بين السياسي والنقابي لا يعيد فقط التوازن إلى العلاقة بين الفضاءين، بل يطمح إلى بلورة مشروع مجتمعي بديل، يجعل من العدالة الاجتماعية جوهر السياسات العمومية. ومن هذا المنطلق، فإن استمرارية هذا النموذج تقتضي تطويره في أفق بناء جبهة اجتماعية تقدمية واسعة، تضم النقابات والأحزاب والجمعيات ذات التوجه الديمقراطي، ضمن رؤية تنظيمية دائمة، قادرة على مواجهة التحديات المتصاعدة في زمن الليبرالية المتوحشة.
العدالة الاجتماعية تمر من هنا: جبهة موحدة بين النقابي والسياسي من أجل التغيير
تأسيس فضاءات مؤسساتية تؤطر العلاقة بين الفاعلين النقابيين والسياسيين بات ضرورة استراتيجية، من أجل الانتقال من التنسيق المناسباتي إلى التحالف القائم على برامج واضحة ومستدامة، ومقترحات تشريعية موحدة، وتقييم دوري للسياسات العمومية.
كما أن من شأن إحداث مرصد وطني مستقل للعدالة الاجتماعية، أن يساعد في رصد التراجعات، وتقديم بدائل واقعية. وعلى المستوى الدولي، يُعد الانفتاح على النقابات والأحزاب التقدمية العالمية خطوة لتقوية القدرات وتبادل الخبرات، والممارسات الجيدة، والعمل ضمن شبكات.
من منطق التشخيص إلى أفق الفعل: دعوة إلى التنظيم والمبادرة
إن اللحظة السياسية الراهنة ليست لحظة انتظار، بل لحظة تعبئة وتنظيم. والتحالف بين الاتحاد الاشتراكي وف.د.ش يمكن أن يشكل نواة لبناء توازنات جديدة، عنوانها الكرامة، العدالة، والديمقراطية الاجتماعية.
التغيير ليس احتمالًا نظريًا، بل خيارا جماعيا يتطلب إرادة، ووضوحًا في الرؤية، وتراكمًا نضاليًا ميدانيًا. فحين تؤمن الكتلة الاجتماعية بقدرتها على انتزاع مستقبلها، يصبح الإصلاح حقيقة لا مجرد شعار.
(*) عضو اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات بالحزب
الكاتب : محمد السوعلي (*) - بتاريخ : 29/04/2025