كُنتَ‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬النسر‭ ‬وسيزيف‭ ‬والكبد

عبد الحميد جماهري

كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬لأية‭ ‬عرافة‭ ‬أن‭ ‬تخمن‭ ‬نهايتك‭ ‬وهي‭ ‬تقرأ‭ ‬كبدك،
الطافحة‭ ‬بالحب‭ ‬الدارج‭ ‬للبلد‭.‬
كان‭ ‬طبيعيّا‭ ‬أن‭ ‬تلتهم‭ ‬البلاد‭ ‬كبدك،
فأنت‭ ‬سيزيف‭ ‬الصابر‭ ‬القانت‭ ‬الفنان،
وأنت‭ ‬النسر‭.‬
وبما‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أسطورة‭ ‬لالتهام‭ ‬كبدك،
فقد‭ ‬قامت‭ ‬البلاد‭ ‬بأسنان‭ ‬الحب‭ ‬بذلك‭.‬
ناداك‭ ‬الرب‭: ‬عدْ‭ ‬أدراجك‭ ‬بامحمد،
التحق‭ ‬يا‭ ‬محمد،‭ ‬يا‭ ‬أخ‭ ‬الإنسانية‭ ‬الذي‭ ‬وهب‭ ‬كبده‭ ‬للبلاد،
للحياة،‭ ‬للفن،‭ ‬للصداقة،‭ ‬للأخوة‭ ‬الصادقة‭.‬
سأذكر‭ ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تخنْ‭ ‬عندما‭ ‬رماني‭ ‬بعض‭ ‬إخوتي‭ ‬في‭ ‬البئر،
وجهزت‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬كبدك‭ ‬شرفةً‭ ‬للأمل،
محمد،‭ ‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذي‭ ‬رفع‭ ‬الصداقة‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬الالتزام‭ ‬السياسي،
منحتَ‭ ‬صوتك أيضا‭ ‬للقصة‭ ‬والشعر‭ ‬والرواية،
ووهبتك‭ ‬موهبتك‭ ‬الخلود‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬كبد‭ ‬مغربية‭.‬
أناديك‭ ‬ويرد‭ ‬الصدى‭ ‬اسمك‭ ‬في‭ ‬الأعالي،‭ ‬يا‭ ‬نقي‭ ‬المعدن‭ ‬والثرى‭.‬
بوركتَ‭.‬
كان‭ ‬طبيعيا‭ ‬أن‭ ‬تلتهم‭ ‬البلاد‭ ‬كبدك،
أنت‭ ‬الذي‭ ‬أقمت‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الكبد‭ ‬سكنا‭.‬
تْسانو،
هكذا‭ ‬يحب‭ ‬المغربي،‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬الشعوب،‭ ‬مغربَه،‭ ‬بالكبدة‭.‬
نحن‭ ‬الذين‭ ‬وضعناهما‭ ‬مترادفتين‭ ‬في‭ ‬الجسد،‭ ‬وفي‭ ‬اللغة،‭ ‬وفي‭ ‬المحبة،‭ ‬والتصوّف‭ ‬الوطني‭.‬
كبد‭ ‬بلد،‭ ‬بلد‭ ‬كبد‭.‬
لهذا‭ ‬كنت‭ ‬سيزيفينا‭ ‬الذي‭ ‬يقربنا‭ ‬من‭ ‬الأسطورة،‭ ‬كما‭ ‬أصبحت‭ ‬درسنا‭ ‬للبشرية‭ ‬في‭ ‬الصبر‭ …‬
‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬البطولة‭ ‬والصبر‭ ‬لكن‭ ‬كانت‭ ‬سيزيفيتك‭ ‬مرحة،‭ ‬
تعاند‭ ‬وتبتسم‭ ‬وتصر‭ ‬على‭ ‬المحبة
والبلادُ‭ ‬ـ‭ ‬النسرُ‭ ‬تلتهم‭ ‬كبدك‭ ‬
كبدك‭ ‬عملة البلاد‮.. ‬النادرة‮!‬
لطالما‭ ‬امتحنا‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬حضورك،‭ ‬في‭ ‬الشعاع‭ ‬الذي‭ ‬يجعلك‭ ‬نجما‭ ‬في‭ ‬القلوب‭ ‬قبل‭ ‬سماوات‭ ‬المجد‭ ‬الفني،‭ ‬وكان‭ ‬يحلو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أمرج‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬حرير‭ ‬خصالك،‭ ‬مثل‭ ‬قطة‭ ‬في‭ ‬قطن‭ ‬المجازات‭. ‬
وبدون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬سيرتك‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬مولدك‭ ‬إلى‭ ..‬آخر‭ ‬لمسة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬يصعب‭ ‬تذكرها‭ ‬في‭ ‬لائحة‭ ‬الأفلام‭ ‬والمسرحيات‭ ‬والكتب‭..‬سعيت‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬مؤرخ‭ ‬الخيال‭ ‬الذي‭ ‬يركض‭ ‬في‭ ‬رؤوس‭ ‬كل‭ ‬المخرجين‭ ‬من‭: ‬سعد‭ ‬الشرايبي‭ ‬لطوني‭ ‬سكوت‭ ‬ولكمال‭ ‬كمال‭ ‬ولفريدة‭ ‬بورقية‭ ‬والكندي‭ ‬دانيال‭ ‬جيرفي‭ ‬وللطيف‭ ‬لحلو‭ ‬ولداوود‭ ‬أولاد‭ ‬السيد‭ ‬ولمحمد‭ ‬زين‭ ‬الدين‭ ‬وللحسن‭ ‬زينون‭ ‬ولمحمد‭ ‬نظيف‭ ‬ولفوزي‭ ‬بن‭ ‬السعيدي‭ ‬ولطلال‭ ‬السلهامي‭..‬لمحمد‭ ‬منخار،‭ ‬للمخرج‭ ‬السوري‭ ‬حاتم‭ ‬علي،‭ ‬لإدريس‭ ‬الإدريسي‭ ‬ولهشام‭ ‬عين‭ ‬الحياة‭ ‬ولعز‭ ‬العرب‭ ‬العلوي‭ ‬لمحارزي‭ ‬ولنور‭ ‬الدين‭ ‬لخماري‭ ‬ولعبد‭ ‬الرحيم‭ ‬مجد‭ ‬ولسعيد‭ ‬بن‭ ‬تاشفين‭ ‬ولإدريس‭ ‬اشويكة‭ ‬ولعزيز‭ ‬السالمي‭ ‬ولمحمد‭ ‬اقصايب‭ ‬ولمحمد‭ ‬عاطفي‭ ‬وعادل‭ ‬الفاضلي‭ ‬ولمحمد‭ ‬الشريف‭ ‬الطريبق‭ ‬ولمحمد لعليوي‭..‬تلك‭ ‬واحة‭ ‬من‭ ‬خيال‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬مزاج‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬يسكن‭ ‬شخصياته‭.. ‬ومن‭ ‬فضاءات‭ ‬لن‭ ‬تنتهي‭ ‬ولو‭ ‬انتهى‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭.. ‬من‭ ‬باب‭ ‬المؤانسة‭ ‬كنا‭ ‬نردد‭ ‬على‭ ‬مسامعنا‭ ‬ما‭ ‬تجيده‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬فني‭ .. ‬لنقل‭ ‬إننا‭ ‬سنطارد‭ ‬الضوء،‭ ‬وسنحصل‭ ‬على‭ ‬نجم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬له‭ ‬خمسة‭ ‬أضلاع‭ ‬كما‭ ‬تشاء‭ ‬الهندسة‭ ‬السماوية‭ ‬للنجوم‮…‬‭.. ‬أو‭ ‬نطارده‭ ‬ونضعه‭ ‬مثل‭ ‬خيط‭ ‬مضيء‭ ‬صغير‭ ‬جدا،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬شساعة‭ ‬القلب‭.. ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نختار،‭ ‬لكن‭ ‬محمد‭ ‬الشوبي‭ ‬الفتى النوراني‭ ‬الذي‭ ‬أعجبت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬زمان‭ ‬مسرح‭ ‬التسعينيات‭ ‬‮-‬‭ ‬زمان‭ ‬‮«‬بوحفنة‮»‬‭ ‬وأولاد‭ ‬البلاد‮»‬‭ ‬‮-‬‭ ‬ليوسف‭ ‬فاضل‭ ‬سنة‭ ‬1999،‭ ‬مع‭ ‬محمد‭ ‬خويي‭ ‬وعبد‭ ‬المجيد‭ ‬الهواس‭ ‬وعاهد‭ ‬سعيد‮…‬‭ ‬وعبد‭ ‬العظيم‭ ‬مباركي‭ ‬وعبد‭ ‬الله‭ ‬الريامي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جمعتنا‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬ورطتها‭ ‬الجميلة‭ ‬مع‭ ‬إنسان‭ ‬رفيع‭ ‬مثل‭ ‬حسن‭ ‬نرايس‭ ‬‮..‬‭ ‬مثلا‮!‬‭ ‬هذا‭ ‬الشوبي‭ ‬‮…‬هو‭ ‬الذي‭ ‬صنع‭ ‬أسطورته‭ ‬الشخصية‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬له،‭ ‬وأحيانا‭ ‬كثيرة‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬له‭ ‬الصدفة،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬والخشبة،‭ ‬والسينما‭ ‬والكتابة‮..‬أي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬اللغوي‭ ‬الواسع‭ ‬الذي‭ ‬نسميه‭ ‬الحياة‮..!‬يا‭ ‬محمد‭ ‬يا‭ ‬شوبي‭ ‬نحبك‭ ‬ونطلق‭ ‬عليك‭ ‬أسماء‭ ‬الورود‮..‬‭ ‬ونحن‭ ‬أيضا‭ ‬نضعف،‭ ‬نعرف‭ ‬الدموع‭ ‬عندما‭ ‬يلتفت‭ ‬القلب‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬أحسن‭ ‬ما‭ ‬فيه،وجهك‭ ‬الحي‭ ‬‮!‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 05/05/2025