وضعية صناديق التقاعد واقتراحات الإصلاح

عبد النبي بنزينة (*)
أولا : أخطاء الدولة المغربية في تدبير صناديق التقاعد: ( تشخيص للأعطاب البنيوية وتحديات الإصلاح).
مقدمة: يشكل نظام التقاعد أحد الأعمدة الأساسية في منظومة الحماية الاجتماعية، لما يتيحه من تأمين دخل قار للفئات التي أنهت مسارها المهني، وبالتالي يساهم في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. في المغرب، تواجه صناديق التقاعد أزمة حادة نتيجة تراكمات تاريخية وأخطاء في التدبير العمومي، مما دفع إلى إجراء إصلاحات جزئية لم ترق إلى مستوى التحديات البنيوية.
تهدف هذه الورقة إلى تشخيص أبرز أوجه الخلل في تدبير الدولة لصناديق التقاعد، وتحليل آثارها على العدالة والاستدامة، واقتراح مداخل للإصلاح الشامل.
المحور الأول: السياق التاريخي لنظام التقاعد في المغرب :
يرجع تأسيس صناديق التقاعد في المغرب إلى فترات الحماية وما بعدها، حيث أُنشئ الصندوق المغربي للتقاعد (CMR) سنة 1939، ثم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) سنة 1959، إضافة إلى نظام RCAR الخاص بالمؤسسات العمومية. وقد عرفت هذه الصناديق توسعًا تدريجيًا دون أن يرافقه تحديث للآليات المالية أو إعادة هيكلة دورية. منذ بداية الألفية الثالثة، بدأت مؤشرات العجز المالي والهيكلي تظهر، وهو ما أكدته تقارير المجلس الأعلى للحسابات والبنك الدولي، محذرة من انهيار وشيك دون إصلاحات جذرية.
المحور الثاني: أخطاء التدبير العمومي :
1. تأخر الإصلاحات البنيوية:
لم تتفاعل الدولة بالجدية المطلوبة مع التحذيرات المتكررة حول هشاشة الصناديق، ما جعل فجوة العجز تتسع بشكل يصعب تداركه بالإجراءات الجزئية.
2. نمط التوظيف غير المستدام:
شكل نظام التوظيف الدائم في القطاع العام عبئًا على الصناديق، خاصة مع ارتفاع معدل الأجور والمعاشات مقارنة بالمساهمات.
3. غياب الحوكمة الجيدة:
يطبع الغموض طريقة تدبير أموال الصناديق، في ظل ضعف الشفافية وغياب تقييم منتظم لأداء التدبير المالي.
4. استعمال الصناديق لأغراض غير تقاعدية:
تم توظيف جزء من أموال التقاعد في تمويل مشاريع غير مدرة للربح أو لتغطية عجز الميزانية، مما أضعف من قدرة الصناديق على الاستدامة.
5. الإصلاحات الترقيعية:
مثل الإصلاح المقيّد لسنة 2016 الذي ركز على رفع سن التقاعد ونسبة الاقتطاع دون معالجة الخلل البنيوي في العلاقة بين المساهمات والالتزامات.
المحور الثالث: آثار السياسات العمومية على العدالة والاستدامة
عدم الإنصاف بين مكونات النظام:
– يسود تمييز واضح بين موظفي القطاع العام والخاص من حيث المعاشات ونسب الاقتطاع، ما يضرب مبدأ العدالة الاجتماعية.
– هشاشة حقوق الفئات الضعيفة: يعاني العاملون في القطاع غير المهيكل والنساء من ضعف التغطية التقاعدية أو غيابها، مما يكرّس الفقر بعد سن العمل.
غياب عدالة الأجيال: يؤدي الاعتماد على مساهمات الجيل النشط لتمويل معاشات المتقاعدين إلى تحميل الأجيال القادمة عبئًا متزايدًا دون ضمان حقوقهم المستقبلية.
المحور الرابع: سيناريوهات الإصلاح الممكنة
نموذج الإصلاح الشامل: الانتقال إلى نظام تقاعد موحّد يقوم على مبدأ الحقوق المكتسبة والمساهمات الفعلية، مع تعزيز التضامن.
تعزيز الحوكمة: إدماج ممثلي المنخرطين والمتقاعدين في أجهزة القرار والمراقبة، مع تفعيل آليات التقييم الدوري.
توسيع التغطية: اعتماد آليات مرنة لإدماج العاملين في القطاع غير المهيكل في منظومة التقاعد، وضمان حد أدنى للمعاشات.
نماذج مقارنة: يمكن الاستئناس بتجارب فرنسا في توحيد الأنظمة، أو كندا في تنويع مصادر التمويل، أو تشيلي في إشراك القطاع الخاص وفق قواعد صارمة.
إن أزمة صناديق التقاعد في المغرب ليست نتيجة حتمية لعوامل ديمغرافية أو اقتصادية فقط، بل هي أساسًا نتيجة لتدبير عمومي مختل افتقر إلى الاستباق والشفافية والعدالة. ويتطلب تجاوز هذه الأزمة إصلاحًا جذريًا يرتكز على الرؤية الاستراتيجية، وإرادة سياسية قوية، وتوافق اجتماعي واسع يضع مصلحة الأجيال الحالية والمقبلة في صلب أولوياته.
ثانيا :أبرز مقترحات الدولة والنقابات في المغرب بشأن إصلاح أنظمة التقاعد، كما برزت في الحوار الاجتماعي والمشاورات منذ 2022 إلى حدود 2024 :
أولاً: مقترحات الدولة (الحكومة(
تهدف إلى ضمان ديمومة الصناديق وتحقيق نوع من التوازن المالي، ومن أبرزها:
1. رفع سن التقاعد تدريجياً:
مقترح رفع سن التقاعد من 63 إلى 65 سنة، على مراحل.
2. زيادة المساهمات:
رفع نسبة الاقتطاعات لفائدة صناديق التقاعد، سواء من طرف الأجير أو المشغل.
3. مراجعة طريقة احتساب المعاش:
الانتقال من احتساب المعاش على أساس آخر أجر إلى احتسابه على أساس معدل الأجور خلال فترة معينة (مثلاً آخر 8 أو 10 سنوات).
4. توحيد الأنظمة:
المضي نحو إنشاء نظام أساسي موحد بالنسبة للقطاع العام، ثم لاحقاً دمج القطاع الخاص ضمن منظومة موحدة.
5. اعتماد نظام قطبين:
قطب عمومي وقطب خاص للتقاعد، على المدى المتوسط.
ثانياً: مقترحات النقابات (الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية، الفيدرالية… إلخ)
تركز على الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية ورفض تحميل الأجراء وحدهم كلفة الإصلاح:
1. رفض رفع سن التقاعد الإجباري:
المطالبة بعدم رفعه إلا باختيار العامل، مع فتح خيار التمديد الطوعي.
2. الحفاظ على طريقة احتساب المعاش على أساس آخر أجر:
رفض التغيير الذي سيؤدي إلى خفض المعاشات.
3. تحميل الدولة مسؤولية العجز:
المطالبة بأن تتحمل الدولة جزءاً من كلفة الإصلاح باعتبارها مسؤولة عن سوء تدبير الأنظمة سابقاً.
4. زيادة مساهمة الدولة:
خصوصاً بالنسبة لأنظمة التقاعد التي تعاني من العجز مثل النظام المدني (RCAR / CMR).
5. تحقيق العدالة بين الأنظمة:
إنهاء الفوارق الكبيرة بين متقاعدي القطاع العام والخاص.
(*) محام بهيئة القنيطرة
الكاتب : عبد النبي بنزينة (*) - بتاريخ : 06/05/2025