أحمد الدرداري: ضرورة تغيير أوضاع المرأة الاجتماعية والاقتصادية لتطوير الحياة السياسية للنساء
سلوى الدمناتي: النساء لا يطلبن امتيازا، بل يمارسن حقا، ويساهمن في بناء مغرب أكثر عدلاً وتوازناً وإنسانية
قالت الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات حنان رحاب في لقاء مفتوح، مساء يوم السبت 3 ماي الجاري بمدينة طنجة، حول « المشاركة السياسية للنساء : من التمثيلية إلى التأثير في صناعة القرار «، إن مفهوم صنع القرار السياسي ليس وصفة جاهزة قابلة للتعميم، بل هو مرتبط بتقاليد سياسية ونصوص قانونية معيارية وتجارب خاصة ترتهن لخصوصيات ثقافية أو سياسية أو اجتماعية»، وأضافت في هاته الندوة التي عرفت مشاركة الدكتورة سلوى الدمناتي، عضو المكتب السياسي لحزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ونائبته البرلمانية، و أحمد الدرداري، أستاذ بكلية الحقوق بتطوان، رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات أن « الحركة النسائية ليست قالبا واحدا، بل هي متباينة سواء في أصل النشأة، أو في صيرورة التطور الداخلي لها، والمرتبط سواء بتطور الأدبيات والمطالبات الحقوقية من جهة، أو المرتبطة بالتحولات الاجتماعية من جهة ثانية»..
وأشارت رحاب في هذا اللقاء الذي حضره عضو المكتب السياسي محمد غودان والكاتب الجهوي للحزب محمد المومحي والكاتبة الجهوية للمنظمة النسائية للحزب إلى أن «الحركة النسائية في تعبيرها المغربي لها جذور سياسية، وبالأحرى حزبية، لأنها انطلقت باعتبارها تنظيمات موازية للتنظيم الحزبي، وكانت واحدة من تعبيراته المدنية، لكنها كذلك في ماهيتها تنظيم حقوقي، لأن العناوين الكبرى لأي حركة نسائية هي عبارة عن مطالبات حقوقية تصبو لبناء مجتمع المساواة الكاملة، ولهذا استطاعت الحركة النسائية المغربية أن توجد الكثير من المبادرات المشتركة البينية أكثر مما استطاعت ذلك التنظيمات الحزبية، ولا يقتصر الأمر على الحركة النسائية ذات المرجعية التقدمية، بل هناك التقاءات حتى بين أطياف الحركات النسائية التقدمية اليسارية والحركات النسائية الليبيرالية الديموقراطية، ويحصل أحيانا أن يحصل الالتقاء حتى مع التعبير النسائي المحافظ، وإن كان الأمر مرتبطا بحالات نادرة».
حنان رحاب وبعد أن توقفت طويلا عند العديد من التراكمات التي حققتها الحركة النسائية بالمغرب التي وصفتها بالإيجابية، اعتبرت أن مساهمة النساء في صنع القرار السياسي ظلت متخلفة عن الحضور النسائي في مختلف المجالات، موضحة أن القيمة المضافة الإيجابية لمساهمة النساء في النشاط المجتمعي على واجهات متعددة ليس لها معادل موضوعي على مستوى التمثيلية في مراكز صنع القرار، وأن الحركة النسائية المغربية، تقول عضو المكتب السياسي للحزب، كانت ولا تزال تعتبر أن التمكين السياسي للنساء هو واحد من مداخل الوصول إلى مجتمع المساواة والإنصاف، ذلك أن المشهد السياسي الذي يتسيده الرجل، ومهما بلغت درجة انخراطه في المشروع الحداثي التقدمي لا يمكنه أن ينوب عن النساء في ترجمة مطالبهن إلى قرارات سياسية، تؤكد رحاب .
وتابعت رحاب قائلة « إن المرأة عانت من الإقصاء والنبذ، بحكم أن التاريخ والفلسفة والفكر والفقه، وصولا إلى القانون هي عبارات عن تشييدات «رجالية»، لأنهم وحدهم من كانوا في قلب الإنتاج الثقافي والسياسي والفقهي والقانوني، كانوا يفكرون انطلاقا من هواجسهم وانتظاراتهم ومواقعهم وامتيازاتهم».
وأبرزت ذات المتحدثة أن «المقاومة هي مزدوجة، من المجتمع الذي تسيدته قيم محافظة لا تنظر لأدوار النساء إلا من خلال منظار يعتبرها قاصرة، ومن السلطة كذلك التي لم تكن قادرة على التفكير من خارج الصندوق، هذا إذا لم تعتبر وصول النساء إلى مراكز القرار هو عبارة عن إملاءات خارجية مضادة للخصوصية والهوية والأعراف المرعية».
رحاب استحضرت الدور الذي قامت به الأحزاب التقدمية واليسارية في الدفاع عن التمكين السياسي للنساء، وفي دعم واحتضان الكثير من الديناميات النسائية، وكذا الدفعة التي تلقتها الحركة النسائية في عقد التسعينيات من القرن الماضي الذي عرف صعودا للخطاب الحقوقي في السياسة الدولية، و الدعم الذي قدمته الملكية المغربية خصوصا في عهد الملك محمد السادس، الذي دشن جلوسه على العرش بالتعبير عن طموحه للانتقال الديموقراطي بالمغرب على قاعدة المشروع الحداثي الديموقراطي، والذي كان من تعبيراته الأولى: مدونة الأسرة، التي كانت ثورة ثقافية في سياقها، والتي تحتاج اليوم إلى التحيين والتطوير».
علاقة الحركة النسائية بـ»الكوطا» شكل محورا أساسيا في مداخلة رحاب حيث اعتبرت ذلك مجرد مرحلة للوصول نحو هدف المناصفة. فـ»الكوطا»، تضيف الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، «تعني مساعدة المجتمع على تغيير تمثلاته النمطية التي كانت تجعله لا يتقبل وصول النساء إلى مراكز صنع القرار، وكان يعبر عن ذلك بضعف التصويت على النساء المرشحات للمجالس التمثيلية، سواء التشريعية أو الترابية».
وسجلت عضو المكتب السياسي للحزب بعض الاختلالات التي اعترت تجربة «الكوطا»، والتي تتحمل فيها المسؤولية بعض التنظيمات الحزبية، التي حولتها إلى آلية لتعيين ضمني لبعض المقربات من المسؤولين الحزبيين، عوض أن يتم استثمارها في تقديم الكفاءات السياسية أو العلمية، قبل أن تعود لتؤكد أن آلية «الكوطا» أفرزت مجموعة من الكفاءات النسائية سواء في التسيير أو في الترافع أو في التدبير، وهو ما ساهم في رفع تمثيلية النساء حتى في اللوائح المختلطة التي هي خارج «الكوطا»».
وختمت حنان رحاب مداخلتها بالإشارة إلى أن موقع الحركة النسائية أفضل من السابق، بسبب مجموعة من المؤشرات، من ذلك وجود تراكم تصاعدي في نسبة حضور النساء في الهيئات الاستشارية والتشريعية والتنفيذية والترابية. وكذا اعتراف دستوري بضرورة الارتقاء بالمشاركة السياسية للنساء، مع جعل المناصفة غاية دستورية وحقا دستوريا كذلك. ناهيك عن تطور في الوعي المجتمعي نحو القبول بمشاركة النساء في صنع القرار«.
أحمد الدرداري، أستاذ بكلية الحقوق بتطوان، رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات، أوضح في مداخلته أثناء هذا الندوة «أن المسار الديمقراطي المغربي يرتبط بالقدرة والشجاعة السياسية، لتثبيت حقوق الإنسان، حيث تصدر محور المرأة سياسة الإصلاح وأصبحت المساواة بين الرجل والمرأة من بين التحديات الحقوقية. خصوصا على مستوى محاربة التمييز بين الرجل والمرأة والتمييز ضد المرأة في الحياة السياسية ومنحها حق التصويت وتمثيل المواطنين في جميع الانتخابات والأهلية للانتخاب وتولي جميع الهيئات».
وأبرز الدرداري خلال هاته الندوة أن « الحركة السياسية النسائية من بين أهم الحركات لإثارة النقاش السياسي داخل المجتمع المغربي ضمن مجموعة من الثورات الإصلاحية التحديثية لمفهوم الدولة السياسي، إضافة إلى باقي الحركات النسائية في المجال الاجتماعي والثقافي والأدبي … والداعية إلى منح الاعتبار المستحق للمرأة».
وأضاف أحمد الدرداري أن التمثيل السياسي للمرأة يعتبر من حقوقها الأساسية، والذي يرتبط بتحقيق التنمية للبلاد لأنه يخلق توازنا داخل النسيج المجتمعي، والتمثيل لا يجب أن يقتصر على المؤسسات المنتخبة بل على كل مجالات الحياة الحيوية من أجل بناء مجتمع متكامل ومتوازن طبقا للأهداف التي رسمها المشرع الدستوري والعادي». وبعد أن اعتبر المتحدث ذاته أن المشاركة السياسية والاهتمام بالشأن العام وبإشراك المواطنات والمواطنين في تحديد الخيارات المتعلقة به وانجازها، هي أرقى تعبير عن المواطنة، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الترابي خاصة الجهوي، تساءل عن كيف يمكن تقييم واقع حضور المرأة السياسي تمثيلا وتأثيرا؟ وما هي الضمانات الموضوعة رهن إشارتها لتحقيق مستوى تمثيلي مناسب لها داخل الفضاء السياسي الترابي؟ وكيف يتسنى لها التأثير في صناعة القرار السياسي؟ قبل أن يؤكد أن الدستور نص على مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في سائر الحقوق.كما أن الخطب الملكية ركزت على المكانة والأهمية السياسية للمرأة وأكدت على ضرورة النهوض بالمرأة» يضيف الدرداري، مستعرضا العراقيل التي تعيق التمثيل السياسي للمرأة، وذلك من خلال قراءة نتائج الانتخابات الجهوية والوطنية ومدى حضور المرأة فيها، فتمثيل المرأة السياسي يقول «ليس متاحا بالشكل الجيد، حيث يلاحظ غياب ضعف تواجد للمرأة من خلال توليها المهام داخل المجلس الجهوي والمحلي كما جاء ذلك في تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان للانتخابات الجماعية».
وتابع الدرداري «الغياب الواضح للمرأة في الانتخابات الجهوية يسلط الضوء على أن فكرة التمييز بين الرجل والمرأة مازالت قائمة ومترسخة، وهو ما يشكل عائقا أمام القضاء على هدا التمييز الذي بدوره يعيق التنمية، فالقضاء على هذا التمييز يجب أن يكون من خلال تغيير نظرة المجتمع للمرأة وتخفيف العقلية الذكورية وهيمنتها على الساحة السياسية، فهذا التمييز هو ظاهرة اجتماعية قبل أن تكون قانونية، والقضاء عليه يجب أن يكون من خلال زرع ثقافة التعاون والمساواة مع المرأة باعتبارها شريكا أساسيا للرجل ومكملا له كما هو، وهو ما يجب ترسيخه ضمن الثقافة الاجتماعية .».
وأشاد أحمد الدرداري بالجهود المبذولة للحد من التمييز بين الجنسين إلا أن عراقيل على أرض الواقع تعترضها، أهمها سيطرة فكرة الذكورة على المناصب المهمة، ولعل ما جعلنا نصل إلى هذا هو نتائج الانتخابات الجهوية الأخيرة ومدى حضور المرأة فيها، فتمكين المرأة في هذه الانتخابات لم يكن متاحا بالشكل الجيد على أرض الواقع؛ حيث لوحظ غياب شبه تام للمرأة من خلال توليها المهام داخل المجلس الجهوي، وهو ما جاء في تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان للانتخابات الجماعية لسنة 2015.» .
ارتفاع نسبة المترشحات وفوزهن بالمقاعد لا يرقى إلى منحهن مسؤوليات مهمة بل يقتصر الحال على منحهن مهام ذات طابع ثانوي، وأن العنصر الذكوري يبقى دائما هو المسيطر، فالأمر لا يقف عند مشاركتها حتى نقول إنها حصلت على حقها السياسي وإنما يجب أن يمتد إلى تقاسم المسؤولية مع الرجل.»
الدرداري في ختام مداخلته أوصى بضرورة احترام الأحزاب لمبدأ المناصفة، بدءا بالتزكيات للترشح للانتخابات، مع وضع آليات للتواصل الخاصة بالمساواة الانتخابية والتمثيل السياسي بالإضافة إلى إحداث مراكز للتكوين السياسي للنساء. وكذا تغيير أوضاع المرأة الاجتماعية والاقتصادية لتطوير الحياة السياسية للنساء، ناهيك عن إحداث دليل وطني للمشاركة السياسية للنساء.
ومن جانبها تحدثت عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سلوى الدمناتي، التي أدارت فقرات الندوة عن « التأثير السياسي الذي اعتبرته بأنه لا يقاس بعدد المقاعد، بل بمدى حضور صوت النساء في صياغة القوانين، وتوجيه البرامج العمومية، واقتراح البدائل… من هذا المنطلق، برزت نماذج مشرقة لنساء مغربيات حملن قضايا المجتمع وهموم الفئات الهشة إلى مراكز القرار، ونجحن في إحداث تغييرات ملموسة».
وأبرزت النائبة البرلمانية للحزب أن « المغرب شهد في السنوات الأخيرة، حضورًا متزايدًا للنساء في المشهد السياسي: برلمانيات، وزيرات، رئيسات جماعات ترابية… حضور يحمل معه وعودًا حقيقية بالتغيير، ويعكس تراكم نضالات طويلة خاضتها النساء من أجل الوصول إلى مواقع القرار والمشاركة في صياغة السياسات العمومية، كما أن الإصلاحات القانونية والدستورية، وعلى رأسها التنصيص على مبدأ المناصفة في دستور 2011، ساهمت في فتح آفاق جديدة أمام النساء، إلا أن التحدي اليوم، تضيف الدمناتي، يتجاوز مجرد ضمان المشاركة، ليصل إلى جوهر الفعل السياسي، متسائلة: ما هو الأثر الذي تحدثه النساء في مسارات اتخاذ القرار السياسي ؟
هذا وعرجت سلوى الدمناتي على أبرز النماذج التي كان لها التأثير الكبير على مسار التكور الذي عرفته الحركة النسائية ومن ذلك نساء ساهمن في بلورة قانون مناهضة العنف ضد النساء، وتطوير آليات الحماية القانونية للضحايا، أخريات قدن مبادرات لتحسين ولوج النساء للخدمات الصحية، خاصة في المناطق القروية، أو أطلقن برامج لمحاربة الأمية، ودعم التمدرس، وتعزيز استقلالية النساء الاقتصادية.
كما توقفت الدمناتي عن الإنجازات التي حققتها المرأة على المستوى المحلي، حيث عملت رئيسات جماعات على جعل التنمية أكثر عدلاً وإنصافًا، عبر إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في التخطيط، وتعزيز مشاركة النساء في اتخاذ القرار داخل الجماعة، وتوفير بيئة مؤسساتية داعمة لحقوق المواطنات.
وأشارت عضو المكتب السياسي للحزب إلى أن « هذا المسار لا يخلو من التحديات. فالكثير من النساء ما زلن يصطدمن بثقافة سياسية محافظة، وبمقاومة داخل الأحزاب والهيئات المنتخبة. ويواجهن في أحيان كثيرة محاولات لإقصائهن أو التقليل من كفاءتهن، ناهيك عن العنف الرمزي والسياسي الذي يطال الكثير منهن:»..
وسجلت الدمناتي أن المغرب اليوم في حاجة إلى ترسيخ هذا المسار، عبر دعم القيادات النسائية، وضمان ظروف ممارسة سياسية قائمة على الإنصاف، وتقدير الكفاءات بعيدا عن كل أشكال التمييز. قبل أن تؤكد في ختام مداخلتها أن « النساء لا يطلبن امتيازا، بل يمارسن حقا، ويساهمن في بناء مغرب أكثر عدلاً وتوازناً وإنسانية..»
هذا وبعد اختتام هذا اللقاء الجماهيري الذي عرف حضورا قويا ووازنا، تم عقد مجلس إقليمي للمنظمة، الذي عرف انتخاب عائشة المريني كاتبة إقليمية لمنظمة النساء الاتحاديات بطنجة.