كلمة : صرخة امرأة واحدة تكفي أيها الوزير

محمد الطالبي
نساء مغربيات يُغادرن الوطن، لا حبًا في الغربة، بل هربًا من الجوع والعوز. يتركن أبناءهن وأزواجهن وقراهن، ويحملن قلوبًا مثقلة بالتعب، ليلتحقن بحقول الفراولة في جنوب إسبانيا. هناك، لا تُقطف الفراولة وحدها، بل تُقطف معها كرامة نساء أنهكتهن الحاجة، فصرن لقمة سائغة للاستغلال تحت يافطة «العمل الموسمي».
يأتين من قرى نائية وأحياء مهمشة، دون تعليم، دون لغة، ودون حماية حقيقية. يتحملن ساعات طويلة من العمل الشاق مقابل أجور زهيدة بالكاد تُعيل أسرهن، بينما يلاحقهن الخوف من الاعتداء وسوء المعاملة.
ومن غير المقبول أن يخرج علينا وزير، ومن على قبة البرلمان، ليصرخ في وجوهنا: «لا مشاكل هناك، إنهن يعملن في ظروف جيدة، والمشاكل لم تطَل سوى 200 مغربية من أصل 15 ألف، وقد تم حلها!»
عذرًا سيدي الوزير، حين تكون الوطنية صادقة، فإن صرخة امرأة واحدة تكفي. فكيف إذا تعلق الأمر بآلاف النساء اللواتي يُقهرن كل موسم في حقول الغربة هل صرختهن لا تكفي لتحرّك ضمائر المسؤولين؟
جني الفراولة ليس مجرد عمل موسمي، بل رحلة شقاء تبدأ بتأشيرة وجواز سفر وتنتهي بنفي مؤقت عن الوطن والأسرة. والسبب لقمة عيش لا تبرر سوى استرخاص الحكومة لنسائها، حتى صارت العاملات أرخص من الفراولة ذاتها!
لو وجدت أخواتنا وأمهاتنا وبناتنا فرصًا كريمة في هذا الوطن، لما فكرن في الهجرة، لا مؤقتًا ولا دائمًا. وهن يُطأطئن رؤوسهن في الحقول الأوروبية، نرى نخبة «تلفزاتية» سياسية تتقاسم خيرات الوطن وتُغذي الريع تحت مسميات «الدعم» و»الاستثمار»، وهو دعم مفصل على مقاس المحظوظين، ومصمم لتبخيس المواطن البسيط وتكميم صوته.
تخيلوا امرأة تهاجر لأشهر، وتترك خلفها أبناءً وبنات وأسرة، لتسهر الليالي في حقول الفراولة والعنب، تقطفها لأجل أفواه المحظوظين! أليس هذا بيعًا لقوة العمل الوطنية في وقت تحتاج قرانا وبوادينا وفلاحتنا الأصلية إلى يد عاملة في كل المواسم والمناسبات؟ فقط نحتاج لعدالة أجرية، واهتمام اجتماعي، وتغطية صحية، وتعليم لأبناء وبنات الوطن، حتى لا يتحولن، كما هو الحال الآن، إلى أفق مفتوح على الحقول الأجنبية.
أليس هذا إعلانًا صريحًا عن سقوط مخططات الفلاحة بكل مسمياتها – الأخضر والأزرق والحمامي – أمام عجز ممثلي الأمة حتى عن مجرد فتح تحقيق بسيط في الكلفة الحقيقية ومصير مليارات الدعم العمومي الموجه لقطاع لم يعد له في الواقع وجود، بل فقط فواتير ومكاتب وخطابات؟
كرامة المواطن والمواطنة أهم من الثروة وأهم من المال، لأننا فعلاً لا نعيش لنأكل فقط، بل نعيش لنُحترم. نعيش لأجل الكرامة، أولًا وأخيرًا. وهنا تبدأ إنسانية الإنسان.
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 08/05/2025