الجامعة المغربية بين الطموح والواقع والانتظارات

معاد البقالي (*)

تُعد الجامعة المغربية فضاءً محوريًا في صناعة المعرفة وتكوين رأس المال البشري والنخب، الذي يُعوّل عليها لتحقيق التنمية الشاملة، إلا أن هذا الفضاء الحيوي يواجه عدة تحديات وإشكالات عميقة واستراتيجية يجب تحليلها والتوقف عند مكامن الخلل مع إرادة سياسية حقيقية، وحسب تصريحات عز الدين ميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، أمام البرلمان، فإن هناك إشكالات بنيوية ووظيفية تُهدد نجاعة النظام الجامعي وتستدعي وقفة تقييم شاملة وإرادة إصلاح جريئة وعميقة.
‎الوزير أشار إلى مؤشرات مقلقة تعكس هشاشة المنظومة الجامعية، من بينها ارتفاع معدل الغياب عن امتحانات الدورة الأولى إلى 40%، وبلوغ نسبة الهدر الجامعي نحو 49%. كما أبرز غياب نظام معلوماتي وطني شامل، يعيق اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة، بالإضافة إلى ضعف في التأطير البيداغوجي، حيث يُشرف أستاذ واحد على حوالي 250 طالبًا، مقارنةً بالمعدل العالمي البالغ أستاذًا لكل 10 إلى 15 طالبًا فقط. كما أن ضعف صرف الميزانيات المخصصة للجامعات، بسبب غياب الكفاءات الإدارية وغياب التحديث في أساليب التدبير، يُفاقم الأزمة.
‎ هذه المعطيات تكشف عن أزمة مركبة تشمل الحوكمة، البنية التحتية، وأزمة الثقة بين الجامعة وطلبتها . ويبدو أن جزءًا من الطلبة لا يجدون في الجامعة ما يوازي تطلعاتهم، مما يدفع بعضهم إلى الانسحاب، أو الاستمرار بشكل صوري فقط لأجل الاستفادة من بعض الامتيازات، كالحصول على المنحة، ‎ومن بين المعضلات التي تؤرق الطلبة اليوم، التأخر المزمن في صرف المنحة الجامعية، والذي يُضاعف معاناتهم المعيشية في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة. فالمنحة تُعد المورد المالي الأساسي لعدد كبير من الطلبة، خاصة أولئك القادمين من أسر محدودة الدخل أو من مناطق نائية. تأخر صرفها يؤدي إلى تراكم الضغوط النفسية، وتعذر توفير الحد الأدنى من شروط العيش الكريم، مما ينعكس سلبًا على التحصيل العلمي، ويُغذي ظاهرة الهدر الجامعي. إن تأمين صرف المنحة في آجال معقولة لم يعد مطلبًا فئويًا، بل ضرورة إنسانية وتربوية ملحة.
‎لا يمكن اختزال أسباب الغياب أو الهدر في تقصير الطالب وحده، بل يجب فهم الظاهرة في سياق أوسع: الاكتظاظ داخل المدرجات، النقص الحاد في الأطر، غياب التوجيه البيداغوجي، وغياب عدالة مجالية في توزيع التكوينات الجامعية. أضف إلى ذلك ضعف اندماج الجامعة في محيطها الاقتصادي، ما يضعف جاذبيتها لدى الطالب الذي لا يرى أفقًا واضحًا بعد التخرج.
‎لإعادة بناء ثقة الطلبة في الجامعة واسترجاع فعاليتها، تُطرح عدة حلول عملية منها:
رقمنة شاملة للمنظومة الجامعية وبناء نظام معلوماتي موحد يسمح بتتبع المسار الجامعي واتخاذ قرارات دقيقة وإحداث المشروع الشخصي للطالب.
-تأهيل الموارد البشرية وتثمينها.
‎-ربط الجامعة بسوق الشغل والمجتمع المدني، ودمج الطلبة في مشاريع مجتمعية وتطوعية.
-الاهتمام بالجانب الثقافي والرياضي والبيئي من داخل الجامعة.
‎إن التصريحات الوزارية الأخيرة، رغم جرأتها، ليست كافية ما لم تُترجم إلى سياسات واضحة وقابلة للتنفيذ. الرهان الحقيقي هو بناء جامعة جاذبة، فعالة، ومنصفة، تُعيد الاعتبار لدور الطالب كفاعل مركزي في الإصلاح، وتُوفر له الشروط اللازمة للتكوين والإبداع والمشاركة الفاعلة في تنمية الوطن.

(*)عضو مجلس جامعة عبد المالك السعدي – ممثل الطلبة
عضو المجلس الوطني للشبيبة الاتحادية

الكاتب : معاد البقالي (*) - بتاريخ : 14/05/2025