كلمة .. «الفراقشية» وصناعة «أجيال من الضباع»

محمد الطالبي talbipress@gmail.com

مرة أخرى، تكشف الأرقام الرسمية حجم الأزمة التي تتخبط فيها المدرسة العمومية والتعليم المغربي عموما ومستقبل البلد وملح البلد الذي لن يصلحه أحد إذا فسد.
وزير التربية الوطنية وعضو التحالف الحاكم قال بعظمة لسانه، خلال عرضه أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، ولم يتردد في دق ناقوس الخطر: فقط 30% من تلاميذ الابتدائي يتحكمون في المقرر الدراسي عند نهاية السلك، وتنخفض النسبة إلى 10% فقط عند استكمال الإعدادي.
هذه الأرقام، المستقاة من نتائج البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات (PNEA 2019)، لا تعكس فقط ضعف التعلمات، بل تفضح واقعاً بنيوياً يفاقمه الهدر المدرسي، الذي يضرب بشكل خاص التعليم الإعدادي بنسبة انقطاع سنوية تمثل 53% من مجمل المنقطعين.
الوزير يعوّل على برنامج «مؤسسات الريادة» وعلى ملايير إضافية كلفة لإصلاح أعطاب مزمنة وقاتلة ولن تليها محاسبة، وربما سيأتي من يقول لنا إن الأرقام ازدادت خطورة، لكن التجربة علمتنا أن البرامج وحدها لا تكفي إن لم تصاحبها إرادة سياسية حقيقية، واستثمار جاد في المعلم والمناهج والبيئة المدرسية.
لكن يبقى السؤال الذي يفرض نفسه: أين ذهبت المليارات من الدراهم التي خُصصت لإصلاح التعليم؟ وأين آثار الدعم العمومي والمخصصات المالية «القارونية» التي ضُخّت لسنوات طويلة تحت عناوين كبرى مثل «الميثاق الوطني»، و»الرؤية الاستراتيجية»، و»الجيل الجديد من الإصلاحات»؟ لن يكون هناك إصلاح بدون تتبّع ومساءلة، وبدون تقديم إجابات واضحة عن هذه التساؤلات.
في سياق حديثه داخل اللجنة، أشار أحد ممثلي الأغلبية الحكومية إلى أن «المشكل لا يكمن في التشخيص، بل في الجمود الذي يعاني منه القطاع رغم الدعم المالي الضخم. الحلول المكررة وتغييب المحاسبة يفاقمان الأزمة.
إصلاح التعليم ليس مجرد مسألة تقنية مرتبطة بإعداد البرامج الدراسية أو تطوير الوسائل التعليمية. إنه اختيار لطريق التطور والنمو الذي يعود بالخير على الوطن. التعليم ليس فقط أداة لتكوين الأفراد، بل هو المنتِج الحقيقي للتخلف، الجريمة، البطالة، ويقضي على العنصر البشري الذي هو أساس التقدم والتنمية. لا يمكن البحث عن حلول جزئية، بل يجب أن تكون هناك رؤية وطنية حقيقية تشمل الجميع وتلتزم بمبادئ مشتركة. التعليم ليس مجالًا للمزايدة أو للمصالح الشخصية، بل هو مشتل للغة الوطنية، والهوية، والتقدم، والحرية.
ما وقع في التعليم مالياً هو «فرقشة» لأحلام أمة وشعب بلا رحمة. المليارات التي رُصدت للتعليم أصبحت في خبر كان، ولا أحد يحاسب. تلك هي المأساة الكبرى: الإفلات من العقاب وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما يفتح الباب مشرعًا أمام الفساد في مختلف القطاعات، كما شاهدنا في الفلاحة والصناعة والتجارة.
كيف نقبل كشعب ووطن استمرار نزيف عدم الفهم وعدم الاستيعاب؟ كيف نستمر في صناعة ما سماه الباحث الاجتماعي الكبير محمد جسوس: «أجيال الضباع»، أولئك الذين لا هم لهم إلا مصلحتهم الشخصية؟ الحقيقة المرة هي أن أغلب التلاميذ الذين تعترف الحكومة بعدم قدرتهم على الاستيعاب هم رجال ونساء الغد، وهم صانعو القرار الانتخابي والسياسي في هذا البلد. ومن هنا، أصمت قليلاً للتأمل.
لقد آن الأوان لمحاسبة السياسات بدلاً من تكرار نفس الحلول المألوفة. أطفال اليوم يحتاجون أكثر من مجرد خطاب؛ يحتاجون إلى تعليم حقيقي يعزز قدرتهم على مواكبة تحديات المستقبل.

الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 15/05/2025