المحضر

القطار الذي مر كان يحمل مهاجرين، يتجه بهم إلى الله، هم رفضوا العودة إلى بلدانهم لأنهم غادروها مرغمين!
وصلوا متفرقين إلى المدينة التي لم يكن أي واحد منهم يفكر في الوصول إليها، هم يبحثون عن مدن وراء البحر، مدن بشرة سكانها بيضاء، ويتحدثون لغة مختلفة عن لغتهم. سمعوا عن سكانها الذين يلقون بالفواكه والطعام في صناديق القمامة، لهذا فالكلاب والقطط هناك، تعيش سعيدة ونظيفة، بل هناك من هؤلاء المهاجرين من شاهد هذه الحيوانات في المستشفى، بين يدي الطبيب وصاحبه أو صاحبته تحضنه، وتقول للطبيب: ما به يا دكتور، يقول لها البيطري:
زكام خفيف، وشهية ضعيفة للأكل. يتقيأ المهاجر الذي يجلس في المقصورة الشمالية، فينهره الجندي الذي يعس عليه، يقول له: امسح البلاط، ويأمره بنزع قميصه ليفعل ذلك، تظهر على ظهره الذي تعرى بثور احتلت لوحة ظهره، فيسد الجندي عينيه، ولم يفتحهما إلا بعد أن سمع صفير القطار، الذي اقترب من نفق ماقبل الوصول.
كانوا كلما مر الجندي قربهم، إلا وتحدثوا بلغتهم المحلية، فيزداد حنق الجندي عليهم، ويقول لهم بلغته المحلية هو كذلك: ستذهبون إلى آلله قريبا.
لا يفهمون كلامه ولا يفهم كلامهم، هنا انتبه الجندي إلى أن إرسال هؤلاء المهاجرين إلى السماء سيكون صعبا، مادام التواصل مستحيلا بينه وبينهم!
فماذا سيكتب في التقرير حين سيتخلص منهم وبأية لغة؟ هل سيكتب باللغة التي تعلمها والتي سيحملها معه هو كذلك بعد موته؟ لكن المشكلة ستكون بالغة الصعوبة بالنسبة إليه في تدوين معلومات عن كل مهاجر، خاصة وأن المهاجرين هم في عداد الموتى، فكيف بعد أن يتخلص منهم سيقرؤون محضر إدانتهم امام الله؟
الشيء الوحيد الذي يجمع بين الجندي والمهاجرين هو الجسد، هو له رأس ويدان ورجلان، وهم كذلك، هناك اختلاف بسيط في اللون، وهذا ليس مشكلة، لكن المشكلة في اللغة!
لا يعرف الجندي السبب الذي جعل القطار يتوقف، أسرع إلى المقدمة، ودخل المقطورة على السائق، قال له: لماذا توقفت؟  لم يفهم السائق ماذا قال الجندي، فاكتفى بالنظر إلى المرايا العاكسة في جانبي القطار. انتبه الجندي إلى السائق ذي البشرة السوداء وتراجع إلى الوراء،لقد اختفى السائق الحقيقي، وشغل مهاجر مكانه! قال السائق البديل: كيف سأتواصل مع هذا العسكري؟ فأنا سأرسله إلى آلله بعد قليل، لكن بأية لغة سأكتب محضره إلى السماء!


الكاتب : عبد العزيز حاجوي

  

بتاريخ : 16/05/2025