من العاصمة .. 14.5 مليار للفقراء و99 مليارا للكبار

محمد الطالبي talbipress@gmail.com

تكشف الأرقام الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وجهاً صارخاً لانعدام العدالة في السياسات الفلاحية ببلادنا. فعندما نعلم أن مخطط المغرب الأخضر، الذي رُوّج له لعقد ونصف كرافعة لدمج الفلاحين الصغار، لم يخصص لهم سوى 14.5 مليار درهم من أصل حوالي 113.5 مليار درهم تم ضخها في القطاع، بينما ذهبت 99 مليار درهم لفائدة مشاريع «ذات قيمة مضافة عالية» – أي مشاريع كبار المستثمرين والإقطاعيات الفلاحية – ندرك أن الخلل لم يكن في التطبيق فقط، بل في روح المخطط نفسه.
هذا الواقع الرقمي ليس مجرد تفصيل تقني، بل إدانة سياسية واضحة لاختيارات عمومية كرّست الفوارق بدل تقليصها. كيف يمكن تفسير أن يحصل 70% من الاستغلاليات الفلاحية، أي الفلاحون الصغار والمتوسطون، على أقل من 13% من التمويل العمومي؟ بأي منطق يُترك من يشكلون عماد الأمن الغذائي في الهشاشة، بينما تُفتح صنابير الحكومة لأقلية تسيطر على الأرض والماء والسوق؟
التقرير يكشف أيضا أن 88% من الأراضي غير محفظة، أي أن الفلاحين الصغار محرومون من الضمانات العقارية ومن القروض البنكية، فيضطر 40% منهم إلى اللجوء إلى التمويل غير الرسمي، بكل ما يحمله من استغلال ومخاطر. أضف إلى ذلك وجود مستشار فلاحي واحد لكل 5726 فلاحاً، وغياب التأمين الزراعي العادل، واستمرار الاعتماد على أدوات بدائية، في زمن تُدار فيه الفلاحة عالمياً بالذكاء الاصطناعي والطائرات المُسيّرة.
ولا يقف الخلل عند حدود التمويل والإرشاد، بل يشمل أيضاً التسويق. فالعدد  المفرط للوسطاء (الشناقة) وغياب التنظيمات التعاونية الحقيقية يؤدي إلى مضاربات تلتهم الفائض الموسمي لصغار الفلاحين، وتحول جهد السنة إلى خسارة موسمية.
ما تكشفه الأرقام هو ببساطة أن الخطاب الرسمي حول «الإدماج والتمكين» لم يكن سوى غلاف ناعم لسياسات إقصائية، استثمرت في الفلاحة الربحية لا الفلاحة المجتمعية، وفتحت الباب أمام المضاربات واحتكار السوق والموارد، على حساب الكرامة الفلاحية.
إن 14.5 مليار درهم التي وصلت للفلاحين الصغار لا تعكس فقط قلة الدعم، بل قيمة الفلاح الصغير في حسابات الحكومة . وإن كان المجلس قد أوصى بجعل الفلاحة العائلية أولوية، فإن تحقيق ذلك لا يمر عبر الخطابات أو الدراسات، بل عبر تحول جذري في فلسفة التدخل العمومي: من دعم الربح إلى دعم الإنسان، من تركيز التمويل إلى توزيعه العادل، ومن الحيف إلى الكرامة.
فلا تنمية في القرية دون إنصاف الفلاح، ولا فلاحة مستدامة دون عدالة في الأرض والماء والتمويل. أما الأرقام، فلا تكذب.ربما نحتاج لتصور جديد لأجل إدماج الفلاح الصغير بل واعتباره قاطرة للتنمية وهو ما لاحت بوادره.

الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 17/05/2025