في عملية أمنية ضخمة، تمكن الحرس المدني الإسباني من تفكيك شبكة دولية متخصصة في التجارة غير القانونية للنفايات البلاستيكية، وهي عملية تحمل دلالات خطيرة على الصعيدين البيئي والقانوني. وقد أظهرت التحقيقات التي أجرتها السلطات الإسبانية تورط 16 شركة على الأقل، وعدد من الأفراد في عملية تهريب لنحو 41000 طن من النفايات البلاستيكية إلى دول متعددة عبر العالم، بينها المغرب.
بدأت العملية، التي أطلق عليها اسم «فينوبلاست»، في أواخر عام 2022، عندما تم اكتشاف مكب نفايات غير قانوني في مصنع مهجور في منطقة «بييرزو» بإسبانيا، حيث تم تخزين آلاف الأطنان من النفايات البلاستيكية دون أي تصاريح بيئية. ومع تقدم التحقيقات، اكتشفت السلطات الإسبانية أن معظم النفايات كانت تأتي من قطاع الزراعة في فرنسا والبرتغال، حيث كانت تنقل عبر شاحنات ضخمة أثناء رحلات العودة بين هذين البلدين إلى إسبانيا، حيث يتم تخزينها في مواقع غير مرخصة في مناطق مثل «لا بانيسا» و»ألبيريك» في فالنسيا و»بييرزو» في ليون. ومن ثم يتم تصدير بعضها إلى دول أخرى، ومنها المغرب.
وبحسب الوثائق التي تم تحليلها، فقد تم نقل أكثر من 18800 طن من النفايات البلاستيكية بشكل غير قانوني من فرنسا والبرتغال إلى إسبانيا، قبل أن يتم تصدير جزء منها إلى دول أخرى، عبر طرق احتيالية تشمل تزوير المستندات وتقديم النفايات على أنها مواد قابلة لإعادة التدوير أو حتى مواد خام. وتشير التحقيقات إلى أن النفايات البلاستيكية كانت تُرسل إلى مجموعة من الدول مثل المغرب والهند وتركيا وماليزيا وأنغولا والبرازيل والإمارات العربية المتحدة.
هذا الحدث، الذي يعكس مشكلة عالمية في إدارة النفايات، يشكل ضربة لجهود المغرب في مكافحة التلوث البلاستيكي. ففي وقت تركز فيه المملكة على تعزيز سياساتها البيئية، بما في ذلك فرض ضرائب على المواد البلاستيكية وإطلاق استراتيجية وطنية تهدف إلى تحقيق معدل إعادة تدوير يصل إلى 70% بحلول عام 2030، يأتي هذا التورط ليقوض هذه الجهود ويضع علامات استفهام حول فعالية الرقابة على الحدود ومدى قدرة البلاد على التصدي لهذه الشبكات الإجرامية.
وكان المغرب قد وضع خططا طموحة لتحسين إدارة النفايات البلاستيكية، بما في ذلك تعديل القانون رقم 28-00 المتعلق بإدارة النفايات، الذي يتضمن تدابير إضافية لمساءلة المنتجين بشأن مسؤولياتهم في إدارة النفايات المترتبة على منتجاتهم. ورغم هذه المبادرات، يكشف هذا التحقيق عن ضعف في مراقبة تدفق النفايات عبر الحدود، مما يهدد بالمساس بسلامة البيئة والصحة العامة في المغرب.
وقد كشفت التحقيقات أيضا عن استخدام تقنيات متقدمة من أجل إخفاء النفايات أثناء تصديرها، حيث كانت الحاويات التي تحتوي على نفايات ملوثة تعبأ بالبلاستيك النظيف في الواجهة، مما يجعل الكشف عنها أمرا صعبا، إلا إذا استخدمت السلطات معدات ثقيلة للكشف عن المحتويات الحقيقية لهذه الحاويات. علاوة على ذلك، تم اكتشاف وجود مواد سامة في 15 من أصل 16 عينة من النفايات التي تم تحليلها في منطقة فالنسيا، ما يعزز خطورة هذه التجارة غير القانونية.
وفي ضوء هذه التطورات، يبدو من الضروري أن تكثف السلطات المغربية تحقيقاتها على الصعيد الوطني للكشف عن جميع الأطراف المتورطة في هذه الشبكات، سواء على مستوى الشركات أو الأفراد، واتخاذ التدابير القانونية اللازمة لتقديمهم إلى العدالة. ويهدد تكرار مثل هذه الحوادث بشكل كبير البيئة المغربية ويقلل من فاعلية الإجراءات التي تم اتخاذها لتحسين إدارة النفايات. وهو ما يفرض تضافر الجهود المحلية والدولية لتعزيز التعاون لمكافحة التجارة غير القانونية بالنفايات وحماية البيئة من الأضرار المترتبة على ذلك.