لِمَ لا تُوَدِّعِينِي كأيِّ مُسافِرٍ
يألفه السير،
وتَبِيتُ على نَحرِهِ أحلامُ الصِّغارِ،
ولا تعويذة عِندَهُ للشهيق،
غيرَ قنديلِ عَينَيكِ؟
يَرحَلُ مِن خَيمَتِكِ نَحوَ خَيمَتِكِ،
كَأنَّه الدّائِرَةُ المُغلَقَةُ،
وأنتِ البِدايَةُ… والنِّهايَةُ.
لِمَ لا نُعيدُ النَّظَرَ
في كُلِّ العاداتِ؟
نُغيِّرُ وَجبَةَ الفُطورِ،
وتَرتيبَ السَّريرِ،
ومَواعيدَ الدَّواءِ،
ونُمَزِّقُ ميثاقَ الحِميَةِ،
ونُجَرِّبُ مِن جَديدٍ
السَّلالِمَ والمُنحدَراتِ،
نَركُضُ فوقَ الأديمِ العاري
دونَ بِساطٍ مِن حديدٍ
يَجري لِنَجري.
لِمَ لا نَترُكُ لِليلِ فَوضاهُ؟
لا مَواعيدَ للنَّومِ دقيقةً،
ولا وَجبَةَ عَشاءٍ خَفيفةً
على عَتبَةِ المَساءِ.
لِمَ لا نَسهَرُ حتّى نَقهَرَ
هذا التَّرتيبَ اللَّعينَ
لِحياةٍ بلا ارتِجالٍ ولا خَيالٍ،
ولِمَحطّاتِ سَفَرٍ
تَصِلُ إلينا
قبلَ الرَّحيلِ؟
فالحياةُ ليست مَسوَّدَةً،
ولا ميثاقًا غليظًا
معَ المواعيدِ والأوجاعِ.
لِمَ لا نَخرُجُ فَحَسبْ؟
لا تَسألي أينَ.
نَركَبُ أوَّلَ حافِلَةٍ
ونَنزِلُ في أيِّ مَحطَّةٍ،
نَشُمُّ النّاسَ،
ونَمزُجُ الرُّوحَ بالشُّعورِ،
ونُنعِشُ الحياةَ المُرَتَّبَةَ بالعُبورِ،
ونَختارُ مَقهًى
ليسَ في قوائمِ السُّيّاحِ،
نَطلُبُ شايًا بالنَّعناعِ،
وأُدَخِّنُ سيجارةً على الرَّصيفِ،
وأملأُ بصَري بالتَّنوُّعِ الجَميلِ.
لِمَ لا نُغَيِّرُ هذا السَّكَنَ اللَّعينَ؟
ذاكَ الذي يَسكُنُنا منذُ سِنينَ،
ولا نَسكُنُ إلّا خلسة،
والباقي فَراغٌ يَنتظِرُ الغُرباءَ،
وصَمتٌ ثقيلٌ.