الدار البيضاء في مرآة التصنيفات الدولية.. مؤشرات واختلالات تنموية

كشفت مؤسسة «أوكسفورد إيكونوميكس» في تقريرها الأخير حول «مؤشر المدن العالمية 2025» عن تصنيفات جديدة طالت ألف مدينة حول العالم، من بينها مدينتا الدار البيضاء والرباط، حيث احتلتا مراتب متوسطة على الصعيد الدولي، وهو ما يعكس توازنا دقيقا بين ما تحقق من إنجازات وتحديات لا تزال قائمة في طريق التنمية الحضرية المستدامة.
وجاءت الدار البيضاء في المرتبة 431 عالميا من أصل 1000 مدينة، وهو تصنيف يعكس موقع المدينة كمركز مالي واستثماري رئيسي في شمال إفريقيا. وعلى صعيد المؤشرات الفرعية، حققت المدينة أداء قويا في مجال رأس المال البشري بحلولها في المرتبة 260 عالميا، ما يشير إلى حضور قوي للكوادر البشرية والبنية التعليمية، إلى جانب احتلالها المرتبة 412 في الاقتصاد، مما يعزز مكانتها كمحرك رئيسي للنمو الوطني.
غير أن الصورة العامة لا تخلو من مناطق ظل، إذ جاءت المدينة في مراتب متأخرة في مؤشرات جودة الحياة (584)، البيئة (555)، والحوكمة (596)، ما يعكس استمرار الإشكاليات المرتبطة بتدبير الشأن المحلي، ضعف المرافق العمومية، تلوث الهواء، والتخطيط الحضري غير المتوازن.
في المقابل، احتلت الرباط، العاصمة الإدارية للمملكة، المرتبة 447 عالميا، متأخرة بـ16 مرتبة عن البيضاء. وعلى الرغم من تصنيفها الأفضل في مجال الاقتصاد (398)مقارنة بالعاصمة الاقتصادية، إلا أن باقي المؤشرات الفرعية ظلت غير محددة في التقرير، وهو ما يعكس إما نقصا في البيانات أو ضعفا في الأداء لا يسمح بتصنيف تنافسي.
وتُعرف الرباط بتركيزها على القطاعات الثقافية والتعليمية وجودة الحياة، بفضل البنيات التحتية النظيفة نسبيا، وانتشار المساحات الخضراء، ووفرة المرافق التعليمية والثقافية، مما يمنحها تميزا عن نظيرتها البيضاء.
عاصمة سوس، أكادير، جاءت في المرتبة 656 عالميا، مسجلة أداء ضعيفا في مؤشري الاقتصاد (719) وجودة الحياة (742)، ما يسلط الضوء على محدودية البنية الاقتصادية للمدينة، وضعف خدماتها الحضرية رغم مؤهلاتها السياحية والمجالية.
أما مدينة مكناس، العاصمة الإسماعيلية، فقد احتلت المركز 682، مما يعكس بدوره الحاجة إلى إعادة توجيه السياسات التنموية نحو المدن الجهوية لتقليص الفجوة بينها وبين المركز.
على الصعيد العالمي احتلت نيويورك صدارة الترتيب العالمي، مدعومة بأداء استثنائي في مؤشري الاقتصاد (1 عالميا)) ورأس المال البشري (4 عالميا)، متبوعة بـلندن وباريس. في المقابل، جاءت مدينة سوكوتو النيجيرية في المركز 1000 والأخير، مما يعكس التفاوت الهائل في مستوى التنمية الحضرية حول العالم.
عربيا، تبوأت دبي المركز الريادي بـالمرتبة 51 عالميا، تليها أبوظبي (73) والرياض (97). كما شمل التصنيف مدنا عربية أخرى مثل الدوحة، الدمام، والكويت، في مؤشر على تنامي الثقل الحضري والاقتصادي للمنطقة الخليجية.
يشير التقرير إلى أن المدن العالمية ستستقبل أكثر من 500 مليون نسمة إضافي بحلول عام 2050، ما يجعل من النمو الحضري فرصة هائلة، لكنه يطرح تحديات معقدة مرتبطة بارتفاع الأعمار، وتراجع نسب الولادة، وأزمات السكن، فضلا عن تداعيات تغير المناخ، مثل الفيضانات وحرائق الغابات والجفاف.
وفي الوقت الذي تُسجّل فيه هذه التحديات، تُبشّر بعض الاتجاهات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والابتكار التكنولوجي بإمكانيات كبيرة لإعادة صياغة مستقبل المدن، شريطة توفير الحوكمة الفعالة والبنية التحتية القادرة على مواكبة هذه التحولات.
تشير المؤشرات إلى أن المدن المغربية، رغم التفاوت فيما بينها، تحتاج إلى استراتيجيات تنموية شمولية تُراعي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مع ضرورة تحسين جودة الخدمات، وتعزيز الحوكمة المحلية، وتقوية القدرات البشرية. وحدها الرؤية المتكاملة يمكن أن تعيد تموقع هذه المدن في خريطة التنافسية العالمية.


الكاتب : n خديجة مشتري

  

بتاريخ : 28/05/2025