بموقفها المساند لمبادرة الحكم الذاتي، أحدثت المملكة المتحدة منعطفًا بارزًا في موقفها من قضية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بإعلان دعمها العلني والصريح لخطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007، معتبرة إياها «الخيار الأكثر جدية وواقعية ومصداقية». وقد واكب هذا الموقف تفاعلًا واسعًا من قبل الصحافة البريطانية والدولية، التي أفردت تغطيات وتحليلات وافية حول أبعاد هذا التحول السياسية والاقتصادية والإقليمية، نقدم أهم ما جاء فيها
علاقات تاريخية وشراكة
استراتيجية متنامية
منذ توقيع معاهدة الصداقة المغربية–البريطانية سنة 1721، والتي سبقت حتى معاهدة السلام الأمريكية–المغربية، نسجت المملكتان مسارًا مشتركًا اتسم بالثقة المتبادلة والمصالح المتقاطعة. فخلال الحقبة الاستعمارية، كانت بريطانيا تعتبر المغرب «دولة عازلة» أمام التوسع الفرنسي والإسباني، و»شريكا محوريًا» في حماية مصالحها بالبحر الأبيض المتوسط.
وفي القرن الـ21، تحولت العلاقة إلى شراكة استراتيجية موسعة. فبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وقّع البلدان اتفاق شراكة جديدة عام 2019 دخل حيّز التنفيذ مطلع 2021، يسمح باستمرار التبادل التجاري دون انقطاع، ليناهز حجم المبادلات التجارية 3.3 مليار جنيه إسترليني سنة 2023، بنمو تجاوز 50% مقارنة بعام 2018، وفق وزارة التجارة الدولية البريطانية.
وفي المجال الطاقي، تُعدّ بريطانيا أكبر مستثمر أوروبي في مشروع «Xlinks» للطاقة الشمسية والريحية بالصحراء المغربية، والذي تبلغ كلفته أكثر من 22 مليار دولار، ويهدف إلى مدّ «المملكة المتحدة» بـ3.6 غيغاوات من الكهرباء النظيفة بحلول 2030، أي ما يعادل 8% من استهلاكها الوطني، عبر كابل بحري يربط «الداخلة» بـ»ديفون» جنوب غرب «إنجلترا».
وأمنيًا، تتعزز العلاقات الاستخباراتية بين البلدين في مجالات مكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية، خاصة في منطقة الساحل والصحراء. ويشارك المغرب، باعتباره عضوًا نشطًا في التحالف الدولي ضد «داعش»، في تبادل المعلومات مع أجهزة «MI6» البريطانية منذ 2015، وقد مكّن التعاون المشترك من تفكيك عدة خلايا إرهابية كانت تستهدف مصالح بريطانية في إفريقيا الغربية.
إلى ذلك، ارتفع عدد الشركات البريطانية النشطة بالمغرب إلى أكثر من 350 شركة سنة 2024، من بينها: «GlaxoSmithKline» في قطاع الأدوية و»Shell» في الطاقة، فيما يخطط بنك «HSBC» لافتتاح فرع إقليمي بالمنطقة المالية لمدينة الدار البيضاء (CFC)، ما يعكس ثقة المستثمر البريطاني في الاستقرار المؤسساتي المغربي.
المغرب شريك نموذجي
وفي العمق، يعكس الاعتراف المملكة المتحدة بمغربية الصحراء إعادة تموقع جيواستراتيجي لبريطانيا في. إذ ترى لندن في المغرب «شريكًا نموذجيًا» يجمع بين: «الاستقرار السياسي»، «الانفتاح الاقتصادي»، «الموقع المحوري» عند تقاطع إفريقيا وأوروبا وأمريكا.
لذلك، يعد اليوم المغرب بوابة أساسية للأسواق الإفريقية، حيث تنشط أكثر من 1,000 شركة مغربية في 27 بلدًا بالقارة، ويملك ثالث أكبر شبكة مصرفية إفريقية بعد «جنوب إفريقيا» و»مصر»، كما يحتل المرتبة الأولى إفريقيًا في مجال الاستثمارات في بلدان غرب إفريقيا، وهو ما يجعل من الصحراء المغربية رافعة اقتصادية محتملة للربط بين شمال القارة وعمقها الاستراتيجي.
تبرز مدينة الداخلة – التي يتوقع أن تتحول إلى قطب لوجستي إقليمي بفضل مشروع ميناء الداخلة الأطلسي (كلفة: 1.1 مليار دولار) – كمركز جذب استثماري مستقبلي تسعى بريطانيا إلى الولوج إليه مبكرا. يُخطط الجانبان لإحداث خط جوي مباشر بين «لندن» و«الداخلة» لدعم السياحة والاستثمارات.
في هذا السياق، تنظر «لندن» إلى «المغرب» باعتباره «فاعلا استقراريا في منطقة الساحل» في مواجهة محاولات الجزائر توظيف ورقة البوليساريو لتعطيل مشاريع التنمية العابرة للحدود. وعليه (في عدة مناسبات) عبّر برلمانيون بريطانيون مرارًا في تقارير رسمية منذ 2022 عن «انشغالهم بنفوذ قوى معادية للقيم الغربية في غرب إفريقيا»، معتبرين أن»تعزيز الشراكة مع المغرب يعتبر ركيزة في حماية مصالح بريطانيا القارية». لا تغيب الخلفية الاقتصادية عن الحسابات البريطانية، فبعد توقيع اتفاق التبادل التجاري الجديد، تسعى المملكة المتحدة إلى تقليص اعتمادها على أوروبا وتوسيع شركائها في البحر المتوسط، إذ يمثل المغرب «سوقا واعدا» بـ37 مليون مستهلك، ونقطة انطلاق نحو أكثر من 400 مليون نسمة في غرب ووسط إفريقيا.
من الحياد إلى الدعم الصريح.. ما سر التحول في الموقف البريطاني؟
حتى العام 2022، كانت «المملكة المتحدة» تتمسك بموقفها التقليدي القائم على «الحياد الإيجابي»، داعيةً إلى حل «سياسي دائم ومقبول لدى جميع الأطراف». لكنها، تحت ضغط الواقع الجيوسياسي، والحاجة إلى شركاء موثوقين، غيرت لهجتها الدبلوماسية تدريجيا.
ففي مارس 2023، زارت لجنة برلمانية بريطانية مدينة العيون ، وأصدرت لاحقًا تقريرا أكدت فيه أن «مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الأكثر واقعية وعملية». وفي ماي 2024، أعلن اللورد «طارق أحمد» وزير الدولة البريطاني لشؤون شمال إفريقيا، دعم بلاده «الصريح» للمبادرة المغربية، معتبرا إياها «الحل الوحيد الجدي والعملي الذي يضمن احترام وحدة التراب المغربي».
يأتي هذا الموقف – الذي لم يكن وليد اللحظة – كثمرة جهود دبلوماسية مكثفة من الجانب المغربي، عبر: «زيارات متبادلة» و»تنشيط القنوات البرلمانية» و»حشد دعم اللوبيات البريطانية النافذة»، كما استفادت «الرباط» من تراكم الزخم الدولي حول قضية الصحراء المغربية، حيث أصبحت، بعد موقف المملكة المتحدة، 117 دولة تؤيد مبادرة الحكم الذاتي بينها، من ضمنها «الولايات المتحدة»، «إسبانيا»، «فرنسا»، «ألمانيا»، «هولندا» وغيرها الكثير… بالإضافة إلى حوالي 30 فتحت قنصليات لها في العيون والداخلة.
لأجل كل ما سبق، تسعى المملكة المتحدة من خلال هذا التحوّل إلى تعزيز تموقعها في شمال إفريقيا «. كما ترغب في الاستفادة من الدينامية الإنمائية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية المغربية، في ظل رؤية تنموية كبرى أطلقها جلالة الملك محمد السادس منذ سنة 2015.
موقف المملكة المتحدة بعيون الصحافة البريطانية والدولية .. منعطف بارز باتجاه حل نهائي للنزاع المفتعل

الكاتب : n ترجمة وتقديم:المقدمي المهدي
بتاريخ : 03/06/2025