الفنان محمد أشرقي.. حين يتحول الصمت إلى لون واللوحة إلى اعتراف داخلي

في زمن يُغرقنا في الاستهلاك البصري والتكرار، يطل علينا الفنان التشكيلي محمد أشرقي كحالة استثنائية، لا تهادن المألوف، ولا تبحث عن التصفيق السهل، هو من أولئك الذين يرسمون ليُبقي الجرح مفتوحا، لا ليلتئم، بل ليظل السؤال حيّا، في لوحاته، لا نجد أجوبة، بل قلقًا نبيلاً، وتوقًا دائمًا إلى المعنى. أشرقي لا يقدم فنا يشرح، بل فنا يُشعر، يربك، ويحرك فينا تلك المناطق المهجورة من الذات.
من خلال مشاركته الأخيرة في معرض Living 4 Art بالدار البيضاء، برز محمد أشرقي بخمس لوحات تحمل عناوين توحي بداخل عاصف Symphonie du Silence، Les Cris et les Murmures، Le Cœur en Quête، Perdu dans ses Pensées، وMoments de calme dans la Médina، عناوين ليست فقط تمهيدا بصريا، بل مفاتيح إلى دهاليز روحه، وكأن كل لوحة هي فصل من سيرة غير مكتوبة، مكتومة في اللون والخط والفراغ.
لوحاته لا تتوسل التشابه مع العالم الخارجي، بل تنبثق من الداخل، من عمق الذات وهي تواجه هشاشتها وتناقضاتها، هذا ما يمنحها توترا خفيا، يجعل منها مساحات مشحونة بالأسئلة أكثر من الإجابات، إننا أمام فنان لا يصوغ اللوحة كمنتج نهائي، بل كحقل مفتوح للتأويل والقراءة والانفعال.
يقول الفنان محمد أشرقي: «كل لوحة أرسمها هي محاولة لالتقاط أثر من أثر.. ليست الصورة التي أراها، بل الشعور الذي يسبقها أو يلحقها، لا أرسم لشيء، بل ما يخلفه في.» بهذا التصريح، يضعنا أمام فنه كمساحة تأمل داخلي، لا تلهث خلف الحداثة الفارغة، بل تستعيد معنى الفن بوصفه تجربة وجدانية وجودية، تشبه كتابة الذات بلغة لا تخون الصدق.
في أعمال محمد أشرقي، تختلط الشاعرية بالتجريد، ويتجاور العنف اللوني مع الحنان البصري، وتظل المسافة بين الضوء والظل، بين الصوت والصمت، هي الملعب الحقيقي الذي يمارس فيه أشرقي فنه، ليس غريبا أن يُصنف ضمن الفنانين الذين ينتمون إلى ما يمكن تسميته بـ»الاعتراف البصري»، أولئك الذين يحولون الألم الشخصي إلى عمل فني يتجاوز الخصوصي نحو الكوني.
محمد أشرقي، الذي تأثر مبكرا بأسماء مثل عبد القادر لعرج ومحمد المليحي، لم يكن ظلا لأي منهم، اختار منذ خطواته الأولى، أن يذهب عميقا في ذاته، أن لا يقلد، بل أن يخترع صوته الخاص، ولو بصمت، وهذا ما جعله أقرب إلى المتلقي الذي يبحث عن الفن لا كرفاهية، بل كضرورة.
في لوحاته، تتقاطع الطفولة المُبعدة قسرا، مع دهشة الاكتشاف المتأخر للغة اللون، وتتقاطع الذاكرة المبعثرة مع محاولة ترميم هوية فنية وإنسانية لا تكتمل، لكنها لا تتوقف عن التكوين، لوحاته هي نصوص بلا كلمات، مقاومة ناعمة في وجه عالم يسحق التفاصيل.
إننا أمام فنان لا يساوم، لا يتزلف، ولا يسعى لبيع وهم الحداثة، يرسم لأنه لا يستطيع ألا يرسم، لأن الفن بالنسبة له ليس مهنة، بل حاجة روحية، كل لوحة هي شهادة على أن الإنسان لا يُشفى من جروحه، لكنه قد يحولها إلى جمال.
أعمال محمد أشرقي دعوة للتأمل البصري، ولحظة توقف داخل دوامة التسارع، فهل ما زال فينا من يملك القدرة على الإصغاء للصمت وهو يتحول إلى لون؟


الكاتب : عبد المجيد رشيدي

  

بتاريخ : 14/06/2025