المتحف الصغير الأنيق الذي أخذنا فيه هذه الصورة، هو بمثابة ورشة للمعلم سعيد مرزوقي، ابن برشيد الذي غاص في عشق الفنون والبحر، ليستفيق على استقرار بمدينة الصويرة قضى فيه أكثر من نصف عمره دون أن يدرك. قصته جميلة وعميقة، فهو ابن «سي العربي» الذي اشتغل عند مولاي يوسف، وما يزال سعيد يتقلد الوسام الذي وشّح به السلطان صدر والده.
لمعلم سعيد، ومنذ الصبى، سبر أغوار البحر، مارس الصيد والغوص، واستلهم من مكنونه ما يجعله ماهرًا في البر أيضًا.
في ورشته التي نحن داخلها، يجعل من يديه جسرًا بين عرعار الصويرة وثروات محيطها البحري، من خلال نسج مجسمات صغيرة تشبه «الماكيط»، يصنعها من العرعار، ليُولد منها مختلف الأنواع السمكية التي تسبح تحت مياه بحر المدينة.
دقة غريبة وحرفية عالية تسترعي انتباه كل من مرّ بجانب ورشته – المتحف – حيث تعتمد جلّ أعماله على ألواح المراكب المحلية كما هي، ويضفي عليها جمالية خاصة من خلال صباغة يضعها بحساب فني، ليزداد رونق تلك الألواح.
يمطرك شعرًا وزجلاً رفيعًا، وهو يسافر بك وسط التحف التي يصنعها، ليعرّج بك نحو الرسومات التي أبدعتها ريشته. مجلسه شيق وحديثه عميق، يمتح من تجاربه ومغامراته وجرأته في الإقبال على معرفة مكنون الحياة.
أما لمعلم طوماس الألماني، فهو حكاية تستحق مخرجًا ألمانيًا أو أمريكيًا، عن حق.
بداية، لا أقول له «لمعلم» هكذا؛ فهذا اللقب أطلقه عليه أهل عيساوة، لولعه بهذا العالم. زار المغرب أول مرة سنة 1975، حين كان صغيرًا. وبحكم أنه عاشق للموسيقى، كانت تستوهيه الإيقاعات المغربية، فأصبح زائرًا دائمًا لهذا البلد. ظل يتردد على تجمعات عيساوة، واشترى «الكصبة»، آلة النفخ المعتمدة عند العيساويين، لكي يحاكي عزفهم وأنغامهم.
ومع مرور الوقت، وجد نفسه وسطهم، يعيش معهم، يعزف ما يعزفون، ولذلك منحوه شرف «تامعلميت» أي «لمعلم»، وهو من الألقاب التي لا يحصل عليها أيّ أحد بسهولة.
شغفه سيقوده إلى اكتشاف عوالم الفن الكناوي والحمدوشي أيضًا، وهو اليوم من أمهر العازفين على آلة أوروبية تُدعى «الباك بايب».
عزف مع كبار مشايخ كناوة وعيساوة في عدة ملتقيات، ويعزف اليوم مع يونس باكو، ابن لمعلم باكو.
العجيب والمثير أنه يتوفر اليوم على فرقة عيساوية بألمانيا.