بنك المغرب يختار التريث في مواجهة عواصف الاقتصاد العالمي

 

في ظل تصاعد الضبابية على الساحة الاقتصادية الدولية، اختار بنك المغرب الحفاظ على معدل سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير في حدود 2,25%، في ختام ثاني اجتماع فصلي لمجلسه خلال سنة 2025. قرار وصفه والي البنك، عبد اللطيف الجواهري، بأنه نابع من قراءة دقيقة لمجموعة من المعطيات المعقدة التي تكتنف المشهدين الجيوسياسي والاقتصادي العالمي.
فقد أصبحت القرارات المرتبطة بالسياسة النقدية رهينة لتفاعلات متسارعة، تطبعها سياسة تجارية أمريكية جديدة، ونزاعات مسلحة ممتدة من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، فضلا عن تصعيد خطير بين إيران وإسرائيل، وما يرافق ذلك من حملات تضليل معلوماتي تربك الرؤية الاستشرافية للمؤسسات المالية المركزية. هذه العوامل مجتمعة تفرز اختلالات في سلاسل التوريد، وترفع أسعار المواد الأولية، وتعقد حسابات التضخم والنمو على حد سواء.
وفي مواجهة هذه المتغيرات، شدد الجواهري على أهمية التريث واتخاذ القرار بناء على بيانات محينة وموثوقة، مع الإبقاء على إمكانية التدخل الاستثنائي في حال تغيرت المعطيات بشكل مفاجئ، قبل موعد الاجتماع المقبل للمجلس. كما أكد على ضرورة تنسيق السياسة النقدية مع التوجهات المالية والاقتصادية العامة للحكومة، ضمانا لفعالية أكبر في مواجهة الصدمات الخارجية والتقلبات المفاجئة التي أصبحت سمة العصر.
ورغم هذه الحيطة، فإن الاقتصاد الوطني، وفق بنك المغرب، يبدي إشارات واعدة. فقد بلغ معدل النمو 3,8% سنة 2024، ومن المرتقب أن يتسارع إلى 4,6% خلال سنة 2025، مدفوعا بحركية لافتة في القطاعات غير الفلاحية واستثمارات ضخمة في البنيات التحتية، خاصة في سياق الاستعدادات التي تباشرها المملكة لاحتضان تظاهرات دولية كبرى في أفق 2030، وفي مقدمتها كأس العالم لكرة القدم.
وتسهم هذه الدينامية، المدفوعة بإنفاق عمومي متزايد في مجالات التهيئة والبناء والنقل والماء والطاقة، في تسريع وتيرة التعافي وخلق فرص واعدة للنمو. وقد توقع بنك المغرب أن تتواصل هذه الدينامية خلال سنة 2026، بمعدل نمو اقتصادي يقدر بـ4,4%، في سياق يطغى عليه الاستقرار النسبي في مؤشرات الاقتصاد الكلي.
كما بدأت آثار التيسير النقدي الذي أطلقه بنك المغرب في يونيو 2024 تظهر تدريجيا، إذ انخفضت معدلات الفائدة على القروض الموجهة للقطاع غير المالي بـ45 نقطة أساس، ما ساهم في إنعاش دينامية الإقراض البنكي التي يرتقب أن تنمو بأكثر من 6% في العامين المقبلين، مقارنة بـ2,7% فقط كمعدل نمو سنوي خلال عامي 2022 و2023.
وتظهر هذه المؤشرات أن السياسة النقدية بدأت تؤتي ثمارها، خصوصا بعد إطلاق برنامج تمويلي خاص بالمقاولات الصغيرة جدا في مارس الماضي. البرنامج يتضمن عرضا ائتمانيا ملائما، وتبسيطا للإجراءات، وتحفيزا لمنظومات الضمان، بالإضافة إلى مواكبة غير مالية وآليات تتبع دقيقة. ويشكل هذا التوجه أحد الأعمدة الرئيسية في الاستراتيجية الوطنية لدعم نسيج المقاولات وتحقيق نمو أكثر شمولا.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 26/06/2025