لقد كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومنذ اعتماد مخرجات الحوار الوطني حول إعداد التراب، الذي قادته حكومة التناوب التوافقي بقيادة حزبنا، يُراهن على اقتصاد خاص بالمناطق المهمشة، ويجعلها منطلقا لتنمية شاملة ومُستدامة، قائمة على دراسات ومخططات وتصاميم وطنية وجهوية حقيقية، ومؤطرة بالتوجيهات الملكية السامية الواردة بخطاب 18 مارس 2003، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إلا أن تعاقب المجالس المنتَخَبة لم يساهم في الدفع نحو هذا التوجه، بل ابتعد عن هموم الساكنة حيث كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعارض الفوضى التي كانت تعيشها مدينة تاوريرت منذ عقود.
إن تظافر العوامل السلبية، الوطنية، والجهوية، والمحلية، قد تعمقت بسبب عجز المسؤولين المحليين عن رفع وتيرة النمو، أو على الأقل المحافظة على المكتسبات السابقة.
لذا، انعكس النمو الاقتصادي الضعيف على المستوى الوطني، على جهة الشرق بشكل جلي، بحيث أنه خلال السنوات الأخيرة، احتلت الجهة المرتبة الأخيرة في المساهمة في الناتج الداخلي الخام، ولم تبلغ نسبة المساهمة إلا 8,3 في المائة مقارنة مع جهات بلغت مساهماتها 2,32 في المائة، كما أنه خلال سنة 2022، ورغم تراجع فيه معدل البطالة على المستوى الوطني، عرفت فيه نسبة البطالة بجهة الشرق ارتفاعا مقارنة مع سنة 2021، حيث ارتفع معدل البطالة إلى نسبة 1,20% مقابل 7,18% خلال الفصل الأول من سنة 2021.
وقد سجلت جهة الشرق أعلى معدلات البطالة خلال الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2024، بنسبة معدل بطالة قياس ي بلغ 4,21 في المائة، مقارنة بجهات أخرى انخفض فيها معدل البطالة، وذلك نتيجة ارتفاع نسبة البطالة التي أعلنت عنها المندوبية السامية للتخطيط إلى 13.7 بالمائة وطنيا، حيث يصف الخبراء هذا المنحنى بـ»المعدل التاريخي الذي لم يسبق أن سجله المغرب، وإن إبان أزمة كورونا والذي اقتصر في حدود 12 بالمائة».
إن هذه الأزمة التي تعيشها جهة الشرق، قد انعكست بشكل جلي على إقليم تاوريرت، الذي كان من المفترض أن يحقق تنمية اقتصادية واجتماعية، وبشكل متواز مع باقي أقاليم الجهة.
وعوض تظافر الجهود، ومساهمة الهيئات المنتَخَبة، يُسجل المؤتمر الإقليمي الثاني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بإقليم تاوريرت، أن نتائج استحقاقات 2021، أفرزت نفس التشكيلات السياسية السابقة. إلا أنه بدل العمل على تنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، انخرطت المجالس السابقة في مسلسل أوصلها للباب المسدود.
ولهذه الأسباب وغيرها، لم يكن غريبا أن تتعمق الأزمة بإقليم تاوريرت، وأن تنتشر كل مظاهرها على مستوى مختلف الفئات الاجتماعية، وسائر القطاعات الإنتاجية والخدماتية.
على مستوى الفئات الاجتماعية:
يُسجل المؤتمر الإقليمي الثاني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، اعتماد الفئات الفقيرة والهشة والمعدمة، على الاقتصاد المعاشي المتمثل في الانتشار المهول للباعة الجائلين، الذين يعرضون سلعا لا تكفي لسد رمق أسرة صغيرة، وانتشار «مهن» غير منظمة من قبيل حراس السيارات، وماسحي الأحذية، وبائعي التقسيط … والتي بدأت تطال حاملي الشهادات بمختلف أسلاكها.
أما على صعيد مختلف القطاعات
فإن المتتبع لتطور الاستثمار على مستوى إقليم تاوريرت، يُلاحظ أن القطاعات الإنتاجية ضعيفة نتيجة انعدام أو تدني القدرة على جلب الاستثمار، إضافة لعدم تَمَكُّن المنتَخَبين من القيام بمبادرات في هذا الاتجاه، لتحقيق تنافسية مناسبة مع باقي جهات المملكة.
ومع انتشار البطالة، عرف قطاع التجارة ركودا لم يسبق له مثيل، نتيجة انخفاض القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين الذين أصبحوا يعيشون على الكفاف، بشكل جعل فئة التجار الصغار يلتحقون بالفئات التي تُعاني من صعوبات العيش الكريم.
على صعيد العنصر البشري:
فإن الميزة الديمغرافية للجهة ستؤثر على مستقبل الحواضر الكبرى، ومنها إقليم تاوريرت، نظرا لما هو حاصل، ولما يُرتقب من هجرات موسعة من البوادي والحواضر نحو مدن أخرى أو نحو الخارج، وهذا ما سينعكس سلبا على الإمكانيات والموارد المتوفرة بإقليم تاوريرت.
لذا، فإننا نعتبر أنه من المستعجل وضع الموارد البشرية في صلب العملية التنموية من أجل الحد من التزايد المضطرد للأنشطة الغير مهيكلة، لتسريع الانتقال من الاقتصاد المرتكز على الأنشطة المعاشية وغير المهيكلة إلى أنشطة منظمة؛ كما أن الوضع أصبح يتطلب، أكثر من أي وقت مضى، تحقيق أهداف التنمية البشرية من خلال الاهتمام بالساكنة القروية، وساكنة أحياء الضواحي، ومحاربة كل أصناف الفقر والهشاشة.
إن بلوغ هذه الأهداف، يتطلب أن يتم وضع النساء والشباب في قلب التنمية، وفسح المجال للمغاربة القاطنين بالخارج لتوطين مشاريعهم في ظروف مريحة، لإن هذه الجوانب من التنمية، القائمة على تثمين الرأسمال البشري، هي الكفيلة بتحريك عملية التنمية الشاملة، وبالتالي تحويل إقليم تاوريرت لقاطرة تنموية هدفها تحقيق الانصاف المجالي؛
أما على مستوى تأهيل الحواضر والقرى:
فإن تحقيق الأهداف التنموية، يتطلب، إلى جانب ما سبق، العناية بإعادة تهيئة الاقليم من خلال تعميم هذه السياسية على كل أطرافه، ووضع برامج إسكان متنوعة تتماشى مع وضعية الساكنة وخصوصية الاقليم، وبنفس القدر القيام بعمليات استباقية بالمناطق القروية التي تعاني من تهميش كبير. كما أن عملية التأهيل هذه، تتطلب الاهتمام بالنقل، سواء تعلق الأمر بالنقل الحضري أو النقل بين مختلف أرجاء الاقليم؛
وأما بخصوص القطاعات الاجتماعية الأساسية؛
فإن المؤتمر الإقليمي الثاني، يُسجل أن اهتمام تصميم التنمية لإقليم تاوريرت بكل من قطاع التعليم والصحة والتشغيل والماء، دليل على أن ما تم تحقيقه لحد الآن، يُعد دون مستوى تطلعات الساكنة، وأن الجهات المعنية من معينين ومُنتَخَبين مدعوين لبذل المزيد من الجهود، خاصة وأن فلسفة التنمية البشرية تقوم على هذه الأسس بالذات.
إن الاهتمام بهذه القطاعات داخل الحواضر، ينبغي أن يُواكبه بنفس الحدة، اهتمام بالمجالات القروية المكونة للإقليم، والمتمثلة في مجموعة من المجالات القروية التي لا زالت في حاجة للخدمات الاجتماعية، وعلى رأسها ضرورة القضاء على الأمية، وتعميم التمدرس بكل ما يتطلبه ذلك من نقل مدرسي ومطاعم مدرسية وداخليات وإقامات للتلميذات والتلاميذ، وخدمات صحية بمستشفيات ومستوصفات للقرب.
وفي نفس الاتجاه، فإن الساكنة تنتظر فتح الكلية التابعة لجامعة محمد الأول خصوصا أن المؤسسة اكتمل بناؤها منذ مدة ولم تفتح في وجه الطلبة إلى حدود اليوم، ونطالب أن تكون ذات استقطاب مفتوح يسمح بالاستقرار الأسري للطلبة وتخفيض التكاليف المرتفعة التي يتطلبها التنقل لمدن أخرى.
أما على صعيد توفير الخدمات المرفقية:
فإنه رغم المجهودات المبذولة، لا يزال الاقليم في حاجة لتوفير البنيات الإدارية اللازمة لتسريع عملية تسلم مختلف الوثائق الإدارية، وتعميم التزود بالكهرباء القروية، والماء الصالح للشرب، وشبكة التطهير، ومختلف وسائل نقل الأشخاص والبضائع.
ويُسجل المؤتمر الإقليمي الثاني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأهمية الكبرى اللازمة للتدبير العقلاني لقطاع الماء الصالح للشرب، ذلك أن التغيرات المناخية، وتأثيرها على الموارد المائية بجهة الشرق بصفة عامة، وإقليم تاوريرت بصفة خاصة، أصبحت تطرح إيجاد سياسات جديدة، قائمة على ترشيد استعمال المياه، واعتماد التدبير العقلاني، وإشراك الساكنة في اتخاذ القرارات الكبرى بهذا الخصوص؛
وأخيرا، فإنه ينبغي اعتماد آليات الديمقراطية التشاركية على مستوى اتخاذ القرارات الكبرى:
وذلك بإشراك الساكنة، بكل الأشكال الممكنة، في التحضير للمخططات والتصاميم والوثائق التوجيهية للتنمية وإعداد التراب. وبهذا الخصوص، فإن إقليم تاوريرت يتوفر على مجتمع مدني ديناميكي ينبغي استثماره في عملية التشاور والتعاون وإبداء الرأي، في كل ما يرتبط بالتصميم الجهوي لإعداد التراب لجهة الشرق، ومخطط تنمية إقليم تاوريرت، وباقي وثائق التعمير والتهيئة والتنمية.
ولبلوغ هذه الأهداف وغيرها، يلزم العمل على تحقيق هدفين أساسين:
أولا: إدماج المجالات القروية في مشروع عمالة منسجمة
إن إقليم تاوريرت، يتكون من 14 جماعة ترابية، منها ثلاث جماعات ذات طابع حضري، وإحدى عشر جماعة ذات طابع قروي، وهو ما يتطلب الاشتغال بشكل شمولي، مُتعدد الأبعاد، قصد جعل الاقليم مجالا مُتكاملا ومُنسجما.
ولبلوغ هذا الهدف، فإن مُختلف التصاميم والبرامج ينبغي أن تسير في نفس الخيارات الكبرى حتى لا يحدث تضارب في المصالح الترابية بين الجماعات.
وإذا كان الدستور والقوانين، قد منعت وصاية أي جماعة ترابية على جماعة ترابية أخرى، فإنها مع ذلك منحت الجهة، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، فإن المؤتمر الإقليمي الثاني للاتحاد الاشتراكي، يدعو المنتَخَبين والمنتَخَبات بمجلس الجهة، إلى تحمل مسؤوليتهم في تحضير التصاميم والبرامج التي تراعي مكانة إقليم تاوريرت؛
ثانيا: إنعاش الاستثمار والتشغيل
وذلك بجلب المزيد من المشاريع الكبرى للحي الصناعي والميناء الجاف؛ والتسريع بخلق المناطق الصناعية المبرمجة، وتحضير برامج للأنشطة الاقتصادية بباقي الجماعات الترابية.
إن المؤتمر الإقليمي الثاني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المنعقد يوم 22 يونيو 2025
إذ يُسجل الاختلالات الواردة أعلاه؛
يُعلن استعداده الكامل للمساهمة، من أي موقع، في الحد من السلبيات، وذلك باقتراح الحلول المناسبة، والواقعية، والتي تهم حياة السا كنة بصفة مباشرة، والعمل بكل الوسائل القانونية المتاحة، على تنفيذها على أرض الواقع؛
كما يُعلن استعداده الكامل، للتعاون مع كل القوى الحية، التي ينسجم تصورها مع هذه الأرضية، خدمة لما فيه مصلحة المواطنات والمواطنين، من أجل بلوغ حقهم/ن في العيش الكريم.
الورقة السياسية المقدمة في المؤتمر الإقليمي الثاني لتاوريرت .. تحويل الإقليم لقاطرة تنموية هدفها تحقيق الإنصاف المجالي وفسح المجال للمغاربة القاطنين بالخارج لتوطين مشاريعهم في ظروف مريحة

بتاريخ : 27/06/2025