التصعيد المعلن في السمارة: وحدة الانفصال والإرهاب!

عبد الحميد جماهري
أصبحت السمارة عرضة للهجمات الاستعراضية للبوليساريو، برعاية من نظام الجزائر، بحيث انضاف الهجوم الجديد، وهو ليس الأول من نوعه منذ أن أعلنت البوليساريو عن فك التزامها مع الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، إلى لائحة سابقة من الهجمات.
والحديث متواتر عن الهجوم الثالث على المدينة، حيث إن السمارة تعرضت في أكتوبر الماضي لهجوم مماثل أسفر عن مقتل شخص.
وسبق للسيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في تقريره حول الوضع في الصحراء، المقدم في أكتوبر 2024، أن كشف عن الهجومات السابقة (2023 و2024)، ضمن سلسلة من الهجمات تضمنها تقريره إلى مجلس الأمن.
في الهجوم ما هو متعلق برسائل إلى المغرب. وقد أجاب عنها، سواء في السابق أو في اللاحق، بما يليق. بل يمكن أن نذكر هنا بأن الجيش الملكي تعامل مع الحوادث الإرهابية للبوليساريو بطريقتين:
أولا، بإخبار الجهة المعنية، وهي المينورسو، بما يجب العمل به.
ويُستفاد من التقرير المقدم من غوتيريش ذاته ثانيا:
-أن “القوات المسلحة الملكية المغربية أبلغت المينورسو أن هذا العمل يعد تصعيدا معلنا”.
-في سياق مماثل يتعلق بالهجوم على أوسرد، اعتبر الجيش المغربي أن “هذا الهجوم يظهر النوايا العدائية المستمرة لجبهة البوليساريو”.
-نقل وحدات له إلى المنطقة التي تعرضت للهجوم…
ويمكن أن نتوقع ردا أكثر حسما، إذا ما استحضرنا موقف المغرب في الأمم المتحدة، والذي سبق أن عبّر عنه عمر هلال بكون المغرب يملك الحق في الرد الذي يعيد الأمور إلى نصابها، إذا ما استمر الفراغ الأممي في المنطقة.
ولكن نعتقد بأن الرسائل ليست موجهة للمغرب وحده من طرف الانفصاليين…
ذلك أن الأمم المتحدة والمينورسو بالذات كانت عرضة للهجوم، إذا استحضرنا بأن المقذوفات سقطت بالقرب من بعثتها!
في السابق، كشف الأمين العام للأمم المتحدة بأنه أبلغ البوليساريو، عن طريق ممثله الخاص، قائد بعثة المينورسو، “عن قلقه الكبير من هذا الحادث”، كما “دعاها إلى وقف الأعمال القتالية التي تساهم في خلق التوتر”.
والواضح أن البوليساريو لم تستجب للدعوات السابقة، بل أضافت إلى هجوماتها هجوما جديدا…
الهجوم أراد أن يقفز على الوضع الحالي للمنطقة:
فهو هجوم يأتي بعد أن وضعت المواجهات الإيرانية وإسرائيل أوزارها، في وقت تشير كل المعطيات التي يتوفر عليها المغرب، والكثير من حلفائه، إلى أن الجزائر وضعت البوليساريو رهن إشارة الاستراتيجيات التوسعية لإيران في المنطقة.
كما كشف سقوط نظام الأسد عن وجود فرق الانفصاليين في سوريا تحت العناية العسكرية لإيران وحلفائها، في النظام السوري السابق أو لدى فصائل أذرعه.
الجزائر نفسها، توجد في وضعية زاوية حادة، بعد أن واصلت تعاونها مع إيران، في سياق الحصار، ثم في سياق ترتيباتها…
في التوقيت نفسه، تزامنت الهجمات مع تعزيز الموقف المغربي (المساندة البريطانية للحكم الذاتي)، وانطلاق دينامية مؤسساتية في أمريكا، من داخل الكونغرس، حول تصنيف البوليساريو كتنظيم إرهابي…
وهي الدينامية التي اجتمع حولها نائبان من التيارين الجمهوري والديمقراطي داخل المؤسسة السياسية الأمريكية: السيناتور الجمهوري جو ويلسون، والنائب جيمي بانيتا.
ومنذ أقل من سنة، كانت هيئة الأركان العامة للجيش المالي قد أعلنت عن اغتيال زعيم تنظيم الدولة الإسلامية ذي الأصول الصحراوية “أبو حذيفة”، أحد رفاق أبو الوليد الصحراوي، الذي قُتل في عام 2021 على يد الجيش الفرنسي في دولة مالي نفسها…
لنا أن نسأل:
هل فقدت القيادة الجزائرية أي شعور بالتقدير السياسي لكي تسمح بهجمات من هذا النوع في وقت تداعت حليفتها إيران في المنطقة، وتراجعت لفائدة الدفاع عن نفسها فقط، وتركت كل أذرعها عرضة للتجريف الجيوسياسي؟
هل تجاهلت الجزائر الدينامية التي تربط بين الإرهاب والانفصال؟
وبعد أن كان المغرب، في فترة من الفترات، هو الوحيد الذي يعرف طبيعة هذا الترابط، بعد أن انهار حلم تقرير المصير الانفصالي ووهم الدولة، وتحول العصابة إلى محاولة سياسية عسكرية لخدمة التوتر؟
هل هي آخر الطلقات قبل الموت؟ أم هي محاولة للإيهام بوجود نزاع مسلح يستدعي توقيف المسلسل السياسي، لتوقيف الدينامية المغربية دوليا، ومحاولة العودة إلى لحظة وقف إطلاق النار في 1991؟
هي أسئلة استرجاعية في الواقع، لأن الفكر العقلاني كان يفرض على نظام العسكر قراءة أخرى لمجريات المنطقة، وتطورات الملف، وتساقط الأوراق التي حاول اللعب بها، بما فيها ورقة التوتر في شمال إفريقيا وفي الساحل…
والمغرب؟
سيواصل إطلاع الأمم المتحدة على كل ما يقع، مع امتلاك المبادرة للرد، سواء بما يتناسب مع الحادث الذي يقع، أو بما يتجاوزه، في حالة عجز الأمم المتحدة عن فرض وقف إطلاق النار وحماية المدنيين.
ولعل المطلوب هو أن تستحضر المنظمة هذا النزوع الإرهابي لدى الانفصاليين، وعدم الاكتفاء بالحديث عن «الآفاق المسدودة والإحباط العام لدى الشباب في المخيمات»، وتحميل الجزائر مسؤولية كل الانزلاقات الإرهابية، وبالتالي تسمية الأشياء بمسمياتها، وتحمل مسؤوليتها في ما يجب أن يتم: تسمية القط قطًا، والبوليساريو منظمة إرهابية!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 30/06/2025