لم يكن يوم الأحد الماضي استثناء من القاعدة، بل تجسيدا صارخا للاختلالات المزمنة التي يعاني منها الخط السككي الرابط بين الجديدة والدار البيضاء، فقد اضطر ركاب قطار متوجه نحو العاصمة الاقتصادية إلى الانتظار لأكثر من ساعة ونصف وسط حرارة خانقة تجاوزت 40 درجة، بعدما توقف القطار بشكل مفاجئ في الخلاء دون تقديم أي توضيحات، لا عبر الإذاعة الداخلية ولا من قبل أي مسؤول.
هذا التوقف القسري عرض المسافرين للإرهاق الشديد، خصوصا الأطفال وكبار السن، ودفع البعض إلى النزول وسط السكة في مشاهد تعكس حجم الإهمال الذي يطال هذا الخط الحيوي. وعوض تقديم اعتذار رسمي أو توضيح الأسباب، اختار مسؤولو المكتب الوطني للسكك الحديدية الصمت كالمعتاد، وكأن تأخير عشرات الركاب عن أعمالهم ومواعيدهم لا يعني شيئا.
يُعد الخط السككي الرابط بين الجديدة والدار البيضاء من بين أكثر الخطوط استعمالا من طرف الطلبة والموظفين والعمال اليوميين، الذين لا يجدون بديلا عمليا عن القطار للتنقل. ومع ذلك، يبدو أن هذا الخط لا يحظى بأي أولوية في مخططات التحديث أو الصيانة، مقارنة بخطوط أخرى مثل الرباط – الدار البيضاء أو طنجة – الدار البيضاء. ورغم الشكايات المتكررة، يواصل المكتب الوطني للسكك الحديدية تجاهله للنداءات اليومية القادمة من مسافري هذا المحور، الذين يشعرون أن هذا المرفق لا يتطور بل يتراجع، في ظل غياب أي مؤشرات لتحسين جودة الخدمات أو تحديث العربات المهترئة التي تعود لعقود خلت.
قصة القطار بين الجديدة والدار البيضاء بدأت منذ 27 مارس 1987، حين انطلقت أول رحلة على هذا المحور، لكنها لم تخلُ منذ البداية من المشاكل البنيوية وسوء تدبير الاستغلال. فقد تم إغلاق محطة القطار بالجديدة في 16 دجنبر 1996 بدعوى ضعف مردودية الخط، حيث لم يكن عدد المسافرين يتجاوز 400 راكب في أحسن الأحوال، لكن تحت ضغط نواب الإقليم تم التوقيع يوم 22 أكتوبر 2012، من طرف وزير التجهيز آنذاك كريم غلاب، على قرار إعادة تشغيل الخط، بعد توقف دام أكثر من 15 سنة، غير أن العودة لم تكن مصحوبة بأي إرادة حقيقية لتأهيل الأسطول أو تحسين الخدمات، فبقيت العربات قديمة، ومواعيد القطارات عشوائية، والاتصال بالركاب غائبا تماما.
تفتح تجربة القطار الرابط بين الجديدة والدار البيضاء نقاشا أوسع حول العدالة المجالية في توزيع الاستثمارات العمومية، خاصة في قطاع حيوي كالنقل السككي. ففي الوقت الذي استفادت فيه مدن كبرى كطنجة والرباط والدار البيضاء من تحديثات شاملة، شملت قطارات سريعة ومرافق مريحة، لا تزال ساكنة الجديدة وأزمور والمدن المجاورة لهما تتنقل في «عربات الزمن الماضي»، عربات مهترئة متهالكة تزحف فوق السكك وكأنها تطلب النجدة والإعفاء من خدمة لم تعد أهلا لها منذ مدة كبيرة إلا أن القائمين على هذا الخط قرروا أنها لا تزال صالحة للاستعمال حتى آخر رمق، وحتى التوقف النهائي الذي لن ينفع معه لا صيانة ولا إصلاح، علما أن حتى التقنيين المختصين في إصلاح ما يمكن إصلاحه غير متوفرين بمحطة الجديدة، فالمسؤولون، وحسب مصادر اتصلت بها الجريدة، يلجأون إلى خدمات بعض المتقاعدين من التقنيين في حلول ترقيعية وعشوائية لا تقيم للراكب ولا لوقته المهدور وزنا ولا اعتبارا. هذا الاستهتار لا ينعكس فقط على جودة الخدمة، بل يكرس الإقصاء التنموي لمناطق كاملة من حقها في البنية التحتية الحديثة، ويعمّق الإحساس باللاعدالة في أوساط السكان. فكيف يعقل أن يستمر قطار في العمل بعربات عمرها يتجاوز ثلاثين سنة، دون أدنى مراعاة للكرامة أو حتى لسلامة الركاب ، بل إن القطار ينطلق وبعض أبوابه مفتوحة على كل المخاطر التي قد يتعرض لها الركاب خصوصا الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على مقاعد فيضطرون إلى السفر واقفين بسبب الاكتظاظ الكبير الذي يعرفه هذا الخط خصوصا في موسم الصيف.
ركاب هذا القطار لا يطلبون الكثير: فقط وسيلة نقل تحفظ كرامتهم، تحترم وقتهم، وتقيهم حر الصيف وبرودة الشتاء. لكن ما يحصل هو العكس تماما: وعود غائبة، محاسبة منعدمة، وتواصل متعجرف كأن الزبون عالة على المرفق العمومي.
خط الجديدة الدار البيضاء ليس مجرد وسيلة نقل لكنه في الحقيقة مرآة تعكس ما يعانيه الركاب من إقصاء ومن حق في الحصول على قطارات حديثة تحترمهم وتحترم وقتهم وإذا لم تتحرك الجهات المعنية لإصلاح هذا الخلل، فإن قطار الإحباط سيسبقهم، ولن ينتظر على الرصيف.