الأمن ومحاربة الإرهاب: بين سعة الاحتضان و… ضيق التشويش! 2/1

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com
رفعت التنظيمات الإرهابية العالمية وفروعها(Franchise) في الإقليم الإفريقي، سواء شمال القارة أو في دول الساحل، من وتيرة سعيها للتجذر في المغرب، كما يتبين من العمليات الاستباقية التي يخوضها الأمن المغربي في واجهة محاربة الإرهاب. ففي أقل من أسبوع تم تفكيك خلية إرهابية، انتقلت من الفكرة والمبايعة المسجلة لقيادة «داعش» إلى التدريب والعمل في أحراش غابات تطوان، إلى وضع مخططات التنفيذ، كما تم اعتقال»ذئبة منفردة»، تبلغ من العمر 21 سنة وتتابع دراستها في أحد المعاهد التقنية العليا، وذلك للاشتباه في تورطها في الإعداد والتحضير لتنفيذ مخطط إرهابي، كانت تنشط في العاصمة الرباط.
وفي تقدير أجهزة الأمن، وكل المهتمين بهذه الحرب الصعبة ضد الإرهاب، فإن العملية الأولى نتيجة منطقية للاستباقية التي دربت عليها أجهزة المغرب، فيما أن الثانية تعكس درجة التعاون، مع الشريك الفرنسي، وهو تعاون صنفته « بالتعاون الثنائي الوثيق بين مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمصالح الأمنية والاستخباراتية الفرنسية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف».
يستفاد من السياق السابق للعملية أنها كانت بعد أيام قليلة على توقيع المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني في المغرب، عبد اللطيف حموشي، ونظيره الفرنسي لوي لوجيي، المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية، على مخطط عمل مشترك بين مصالح الأمن الوطني بالمغرب والمديرية العامة للشرطة الوطنية بالجمهورية الفرنسية.
ومن المحقق أن هاته ليست العملية الأولى ولن تكون الأخيرة سواء التي يكون تفكيكها نتيجة يقظة مغربية محضة أو التي ستكون نتيجة وثمرة تعاون دولي، مع الأجهزة الأوربية أو الأمريكية أو الأجهزة الإفريقية، في الدول التي تربط بينها وبين المغرب اتفاقيات تعاون.
ولعل الرابط بين الخلايا أو الأفراد الحديث اعتقالهم، هو كونها تشترك في جذعها الداعشي، وتنظيم الدولة «داعش» لديه ألف سبب لكي يحاول التسلل إلى المغرب ومحاولة التجذر فيه، وليس أقله أن المغرب يوجد على رأس التحالف الدولي الذي جعل من محاربته «داعش» نقطة مركزية في عمله، كما احتضن ترابه أول مؤتمر ضد التنظيم الإرهابي فوق أرض إفريقية.. .
يضاف إلى ذلك انتعاش الجواب الإرهابي، من طرف أهله، على التطورات الحاصلة في المنطقة من الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا وصولا إلى الساحل الإفريقي… علاوة على كون التأطير الإرهابي، تنوعت مصادره وأهدافه، حيث انتقل من قوى إيديولوجية هلامية إلى التَّمفصل مع منظمات الإجرام الدولي والحركات الانفصالية، وصولا إلى التخطيط المرتبط بالدول، ولعل كلمة الوزير الأول المالي عبدوللاي مييغا، أمام المؤتمر الدولي ببرشلونة حول تمويل التنمية، له خطورة لا تضاهى، لكون الدول أصبحت تواجه إرهابا فرض عليها،» مع تورط مثبت للحاضنين من الدول الأجنبية».
من زاوية داخلية محضة، نجد أن الإرهاب يبحث عن حاضنة شعبية لم يحصل عليها لحد الساعة، وإذا نحن استحضرنا هذا المعطى فإنه يعول، من بين ما يعول عليه من اختراق اديولوجي وارتباطات دولية، على خلق بيئة «تشكيك» في عمل الأجهزة بمسميات عديدة أو تحت يافطات حرب ضدها وضد المسؤولين عنها، وضد الالتفاف الشعبي حولها والثقة التي تسندها في عملها من كل المغاربة…
ولنا أن ننبه، لمن صدُقَت نيته، أن هناك من لا يعي هاته الدينامية الخطيرة التي تجتهد كثيرا من أجل استنبات نفسها، ويساعدها بالحملات التشهيرية أو التشنيعية، لكي يوفر ما يعتبره شروطا للفصل بين الحاضنة الشعبية للأمن، وبين الأمن نفسه، ومن هذه الزاوية، ومهما صغُر حجم الناشطين في هذا المسعى، فإن التشكيك في طبيعة عملها ورموزها وصدقية فعلها هو في واقعه خلق شقوق ليتسرب الأعداء، وأي إضعاف للأجهزة وطاقاتها البشرية، بكل مستوياتها، والتشويش على تركيزها في هذه المهمة العالية الخطورة، يخدم، موضوعيا وإجرائيا، محاولات ضرب الانسجام بين الشعب وجهازه الأمني، والحال أن كل ما تراكم لفائدة هذا الجهاز يثبت أنه لم يسبق أن حصل للمغرب هذا الارتقاء في التصنيف الدولي الأمني قبل هاته التجربة، والتي تأسست على تجربة أوسع للمصالحة الوطنية، التي جعلت الزمن يسير في أفق مغاير وجد متقدم وغير مسبوق، ليس فقط في بلادنا بل في العالم الذي ننتمي إليه.
وهي تجربة المصالحة الواسعة، والتي يسهر عليها الأمن اليوم في المغرب، من أجل توفير شروط العدالة والحقوق المتعارف عليها دوليا في علاقاته المؤسساتية ( كما هو حال التنسيق مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ) أو في محيطه الاجتماعي عبر السعي إلى ابتكار مفهوم الأمن المشترك بين المواطن وبين أجهزة الأمن…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com - بتاريخ : 04/07/2025